٢ - إعجاز القرآن في معانيه وأحكامه، فتقلّب الصور اللفظية في بعض الأحرف والكلمات فيه زيادة في المعنى، وفيه دلالة على الأحكام التي يستنبطها الفقهاء (١) وذلك على أنواع:
النوع الأول: أن يكون مرجحا لحكم اختلف فيه، كقراءة «وَتَحْرِيرُ رَقَبَةٍ مُؤْمِنَةٍ» في كفارة اليمين، بزيادة: «مؤمنة»، وهي قراءة شاذة، في قوله تعالى: لا يُؤاخِذُكُمُ اللَّهُ بِاللَّغْوِ فِي أَيْمانِكُمْ وَلكِنْ يُؤاخِذُكُمْ بِما عَقَّدْتُمُ الْأَيْمانَ فَكَفَّارَتُهُ إِطْعامُ عَشَرَةِ مَساكِينَ مِنْ أَوْسَطِ ما تُطْعِمُونَ أَهْلِيكُمْ أَوْ كِسْوَتُهُمْ أَوْ تَحْرِيرُ رَقَبَةٍ فَمَنْ لَمْ يَجِدْ فَصِيامُ ثَلاثَةِ أَيَّامٍ ذلِكَ كَفَّارَةُ أَيْمانِكُمْ إِذا حَلَفْتُمْ [المائدة: ٨٩]، فكان فيها ترجيح لاشتراط الإيمان، كما ذهب إليه الشافعي وغيره، ولم يشترطه أبو حنيفة.
النوع الثاني: أن يكون لأجل اختلاف حكمين شرعيين، كقراءة: «وَأَرْجُلَكُمْ» في قوله تعالى: يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِذا قُمْتُمْ إِلَى الصَّلاةِ فَاغْسِلُوا وُجُوهَكُمْ وَأَيْدِيَكُمْ إِلَى الْمَرافِقِ وَامْسَحُوا بِرُؤُسِكُمْ وَأَرْجُلَكُمْ إِلَى الْكَعْبَيْنِ [المائدة: ٦]، ففيها قراءتان صحيحتان:
القراءة الأولى: «وَأَرْجُلَكُمْ» بنصب اللام، وهي قراءة نافع وابن عامر وحفص والكسائي ويعقوب، وذلك عطفا على: «أَيْدِيَكُمْ»، فيكون حكمها الغسل كالوجه.
القراءة الثانية: «وأرجلكم» بخفض اللام، وهي قراءة الباقين، وذلك عطفا على: «بِرُؤُسِكُمْ» لفظا ومعنى، أي المسح على الخفين.
وعليه: فإن قراءة الخفض تقتضي مشروعية المسح على الخفين، وقراءة الفتح تقتضي فرض الغسل للأرجل في الوضوء، وقد فرق النبي صلّى الله عليه وسلم بين الغسل وجعله للرجلين في الوضوء، وجعل المسح على الخفين.
النوع الثالث: أن يكون لإيضاح حكم يقتضي الظاهر خلافه، كقراءة «فامضوا إلى ذكر الله» فإن قراءة «فَاسْعَوْا» يقتضي ظاهرها المشي السريع، فجاءت القراءة الأخرى وهي شاذة، لكي توضح أن المقصود هو الذهاب إلى المسجد بأي صورة من الصور سواء أكان ماشيا أم راكبا أم مهرولا... إلخ.