والذي ينعم نظره في هذا النص يجد أن ابن مجاهد يعدّ قراءة هؤلاء السبعة هي القراءات المجمع عليها، وما سواها ليس كذلك وقد كان للعلماء في صنيع ابن مجاهد رأيان، فذهب جماعة منهم (١) إلى لومه وتخطئته، وذهب آخرون (٢) إلى التماس العذر له وبيان أنه لم يقصد أن هذه القراءات السبع هي المقصودة بالحديث.
وأيا كان الأمر فإن هناك أمرا مهما دعا ابن مجاهد إلى القيام بهذا العمل.
قال مكي: «إن الرواة عن الأئمة من القراء كانوا في العصر الثاني والثالث كثيرا في العدد كثيرا في الاختلاف فأراد الناس في العصر الرابع أن يقتصروا من القراءات التي توافق المصحف على ما يسهل حفظه وتنضبط به القراءة، فنظروا إلى إمام مشهور بالثقة والأمانة وحسن الدين وكمال العلم، قد طال عمره واشتهر أمره، وأجمع أهل
مصره على عدالته وثقته وعلمه، فأفردوا من كل مصر وجّه إليه عثمان مصحفا إماما هذه صفته: فكان هؤلاء السبعة في الأمصار، ومع ذلك لم تترك القراءة بقراءة غيرهم كأبي جعفر ويعقوب وغيرهما»
(٣).
وقد اشتهرت هذه القراءات السبع وتداولها الناس وكان لمكانة ابن مجاهد العلمية أثر كبير في هذه الشهرة، فضلا عما يتمتع به أصحاب القراءات السبع من مكانة علمية رفيعة.
ومما زاد في شهرة هذه القراءات وتمسك الناس بها أن ابن مجاهد أفرد القراءات الشاذة بمؤلف خاص فكان عمله هذا حاسما في توضيح الفرق بين المقبول والمردود من القراءات، وأشار المستشرق نولدكه إلى هذا الكتاب بقوله: «تبدأ مراجع القراءات

(١) من هؤلاء: أبو العباس أحمد بن عمار المهدوي الذي قال: «ولقد فعل مسبع هؤلاء ما لا ينبغي له أن يفعله وأشكل على العامة حتى جهلوا ما لا يسعهم جهله، وأوهم كل من قل نظره أن هذه هي المذكورة في الخبر النبوي لا غير.. قال: وليته إذ اقتصر نقص عن السبعة أو زاد ليزيل هذه الشبهة» منجد المقرئين ٧١.
(٢) من هؤلاء أبو شامة وأبو طاهر بن أبي هاشم، قال أبو شامة: «لم يرد ابن مجاهد ما نسب إليه بل أخطأ من نسب إليه ذلك» فتح الباري (٩: ٣١)، قال ابن حجر: «وقد بالغ أبو طاهر ابن أبي هاشم صاحبه في الرد على من نسب إليه أن مراده بالقراءات السبع الأحرف السبعة المذكورة في الحديث» فتح الباري (٩: ٣١).
(٣) مكي، الإبانة ص ٤٧ - ٤٨.


الصفحة التالية
Icon