فقيل: تخلص نفس المرء سالمة... وقيل: تشرك جسم المرء في العطب
تخالف الناس، حتى لا اتفاق لهم إلا على شجب، والخلف في الشجب (١)
ومن تفكر في الدنيا ومهجته أقامه الفكر بين العجز والتعب
وهنا نجد الطريق ممهدا للحديث عن هدف الأدب، والحق أننا نقف بهذا الهدف عند حد الإثارة الوجدانية، فلا نطلب منه أن يمدنا بأفكار صادقة عن الحياة، ولا أن يثير فينا النزوع إلى الأعمال الصالحة، أى أنه ليس مهمته التعليم والإصلاح، وإن كان ذلك لا يمنع من أن يزودنا بالأفكار، أو أن يحرك إرادتنا للعمل، سواء أكان ذلك مقصودا للأديب أم غير مقصود، فقد يقف الأدب عند حد الإثارة الوجدانية فحسب، كما في أدب الطبيعة، وشعر الغزل، وكثير من المرائى، والرسائل، والمقالات العاطفية المحضة، مثل قول حافظ يصف عاصفة مرت بالبحر الأبيض، وهو يركب سفينة فيه:
عاصف يرتمى، وبحر يغير أنا بالله منهما مستجير
وكأن الأمواج، وهى توالى محنقات، أشجان نفس تثور
أزبدت، ثم جرجرت، ثم ثارت ثم فارت، كما تفور القدور
ثم أوفت، مثل الجبال على الفلك، وللفلك عزمة لا تخور
تترامى بجؤجؤ، لا يبالى أمياه تحوطه أم صخور
أزعج البحر جانبيها من الشدّ، فجنب يعلو، وجنب يغور
وهو آنا ينحط من علو كالسيل، وآنا يحوطها منه سور
وهى تزور كالجواد إذا ما ساقه للطّعان ندب جسور
وعليها نفوسنا خائرات جازعات، كادت شعاعا تطير
فى ثنايا الأمواج والزبد المندوف، لاحت أكفاننا والقبور
وقول القشيرى:
حننت إلى ريّا، ونفسك باعدت مزارك من ريّا، وشعباكما معا
فما حسن أن تأتى الأمر طائعا وتجزع أن داعى الصبابة أسمعا
قفا ودعا نجدا، ومن حل بالحمى وقولا لنجد عندنا أن يودعا
بنفسى تلك الأرض، ما أطيب الربا وما أحسن المصطاف والمتربعا!
ولما رأيت البشر (٢) أعرض دوننا وجالت بنات الشوق يحنن نزّعا
بكت عينى اليسرى، فلما زجرتها عن الجهل بعد الحلم، أسبلتا معا
(١) الهلاك.
(٢) اسم جبل.


الصفحة التالية
Icon