قال الله سبحانه: ﴿لُعِنَ الَّذِينَ كَفَرُواْ مِن بَنِي إِسْرَائِيلَ عَلَى لِسَانِ دَاوُودَ وَعِيسَى ابْنِ مَرْيَمَ ذَلِكَ بِمَا عَصَوا وَّكَانُواْ يَعْتَدُونَ. َانُواْ لاَ يَتَنَاهَوْنَ عَن مُّنكَرٍ فَعَلُوهُ لَبِئْسَ مَا كَانُواْ يَفْعَلُونَ﴾ (المائدة: ٧٨ - ٧٩). قوله: ﴿ذَلِكَ بِمَا عَصَوا وَّكَانُواْ يَعْتَدُونَ﴾ أي: أن لعنهم كان بسبب عصيانهم واعتدائهم، ثم فسَّر الاعتداء بقوله: ﴿كَانُواْ لاَ يَتَنَاهَوْنَ عَن مُّنكَرٍ فَعَلُوهُ﴾.
الأساس الثالث: طاعة ولي الأمر
دعا القرآن الكريم إلى طاعة أولي الأمر (١). قال الله سبحانه: ﴿يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُواْ أَطِيعُواْ اللهَ وَأَطِيعُواْ الرَّسُولَ وَأُوْلِي الأَمْرِ مِنكُمْ فَإِن تَنَازَعْتُمْ فِي شَيْءٍ فَرُدُّوهُ إِلَى اللهِ وَالرَّسُولِ إِن كُنتُمْ تُؤْمِنُونَ بِاللهِ وَالْيَوْمِ الآخِرِ ذَلِكَ خَيْرٌ وَأَحْسَنُ تَأْوِيلاً﴾ (النساء: ٥٩).
قال «ابن القيم» (٢) : فقرن بين طاعة الله والرسول وطاعة أولي الأمر، وسلَّط عليهم عاملاً واحداً.
أما أولو الأمر فلا تجب طاعة أحدهم إلا إذا اندرجت تحت طاعة الرسول، كما صحّ عن النبي - صلى الله عليه وآله وسلم - أنه قال: (على المرء السمعُ والطاعةُ فيما أحبَّ وكَرِه ما لم يُؤْمَرْ بمعصية الله تعالى، فإذا أُمِرَ بمعصيةِ الله تعالى فلا سمعَ ولا طاعةَ) (٣). وللإمام أحمد - رحمه الله تعالى - في أولي الأمر روايتان:
إحداهما: أنهم العلماء. والثانية: أنهم الأمراء. والقولان ثابتان عن الصحابة في تفسير الآية، والصحيح أنهما متناولة للصنفين جميعًا.
فإن العلماءَ والأمراءَ هم ولاةُ الأمر الذي بَعَثَ الله به رسولَه. فالعلماءُ ولاتُه حفظاً وبياناً، وذبّاً عنه وردًّا على من ألحد فيه وزاغ عنه. والأمراءُ ولاتُه قيامًا وعنايةً وجهادًا وإلزامًا للناس به، وأخذهم على يد من خرج عنه.
وهذان الصنفان هما الناس، وسائر النوع الإنساني تبع لهما ورعية... وقال «ابن تيمية» (٤) :«أولو الأمر صنفان: العلماء والأمراء، فإذا صلحوا صلح الناس، وإذا فسدوا فسد الناس». وقال - صلى الله عليه وآله وسلم -: (من أطاع الأمير فقد أطاعني، ومن عَصَى الأمير فقد
عصاني) (٥) وفي منارعة الأمرِ أهلَه، وشقِّ عصا الطاعة أضرارٌ جسيمة، منها:
(١) مخالفة الله ورسوله وهدي السلف.
(٢) تعطيل المصالح العامة.
(٣) اختلال الأمن.
(٤) شيوع الخوف.
(٥) تجرؤ أهل الأهواء والباطل.
(٦) تجرؤ السراق وقطاع الطرق.
(٧) إشاعة الإتلاف والقتل.
(٨) فتح الباب لأهل الأغراض الشهوانية.
ولا تكون الأمةُ قويةً مهابة الجانب إلا بالسير وراء وُلاتها، وبذلك يهابُها عدوُّها من خارجها، والمغرضون من داخلها.
الأساس الرابع: الجماعة رحمة والفُرقة عذاب
دعا القرآن الكريم إلى الاجتماع ونبذ الافتراق، فاجتماع الناس على دين واحد هو هدفٌ من أهداف القرآن، وقد أجمعت الرسلُ عليه.

(١) انظر «مجموع الفتاوى» (٣٥: ٥ - ١٦»، و «أضواء البيان» (ا: ١٢٩ - ١٣١).
(٢) في «الصواعق المرسلة» (٣: ٨٢٨» عن «بدائع التفسير» (٢: ٢٨ - ٣٠) بتصرف يسير.
(٣) أخرجه «البخاري» في «صحيحه» في (كتاب الجهاد - باب السمع والطاعة للإمام مالم تكن معصية) (٢٩٥٥)، و «مسلم» في «صحيحه» في (كتابالإمارة - باب وجوب طاعة الأمراء في غير معصية) (١٨٣٩) عن «ابن عمر» رضي الله عنهما.
(٤) في «مجموع الفتاوى» (٢٨: ١٧٠).
(٥) أخرجه «البخاري» في صحيحه» في (كتاب الجهاد - بابٌ يُقَاتَلُ وراءَ الإمام ويُتَّقَى به) (٢٩٥٧)، وفي كتاب الأحكام - باب قول الله تعالى: ﴿أَطِيعُواْ اللهَ وَأَطِيعُواْ الرَّسُولَ وَأُوْلِي الأَمْرِ مِنكُمْ﴾ (٧١٣٧)، و «مسلم في «صحيحه» في (كتاب الإمارة - باب وجوب طاعة الأمراء في غير معصية..) (١٨٣٥).


الصفحة التالية
Icon