قال «ابن كثير» (١) :«يمدح تعالى كتابه العزيز الذي أنزله على رسوله محمد - صلى الله عليه وآله وسلم - وهو القرآن، بأنه يهدي لأقوم الطرق، وأوضح السبل (ويبشرُ المؤمنين) به (الذين يعملون الصالحات) على مقتضاه (أنَّ لهم أجرًا كبيراً) أي: يوم القيامة». قال الله سبحانه: ﴿نَحْنُ أَعْلَمُ بِمَا يَقُولُونَ وَمَا أَنتَ عَلَيْهِم بِجَبَّارٍ فَذَكِّرْ بِالْقُرْآنِ مَن يَخَافُ وَعِيدِ﴾ (ق: ٤٥).
قال «قتادة» : اللهم اجعلنا ممن يخافُ وعيدَك، ويرجو موعودك (٢). وقال «ابن كثير» (٣) :«يقول تعالى مخبراً عن كتابه الذي أنزله على رسوله محمد - صلى الله عليه وآله وسلم -، وهو القرآن الذي لا يأتيه الباطل من بين يديه ولا من خلفه تنْزيل من حكيم حميد.
قال تعالى: ﴿وَنُنَزِّلُ مِنَ الْقُرْآنِ مَا هُوَ شِفَاء وَرَحْمَةٌ لِّلْمُؤْمِنِينَ وَلاَ يَزِيدُ الظَّالِمِينَ إَلاَّ خَسَارًا﴾ (الإسراء: ٨٢)، أي: يُذْهِبُ ما في القلوب من أمراض، من شك ونفاق، وشرك وزيغ وميل. فالقرآن يَشْفي من ذلك كله، وهو أيضًا رحمةٌ يحصل فيها الإيمان والحكمة وطلب الخير والرغبة فيه، وليس هذا إلا لمن آمن به، وصدقه واتَّبعه، فإنه يكون شفاءً في حقّه ورحمةً».
الصفة الثانية: دعوته إلى العلم
جاءت دعوةُ القرآن إلى العلم في أول سورة أُنزلت، وهي سورة العلق فنوّه بشرف التعليم والعلم فقال تعالى: ﴿اقْرَأْ بِاسْمِ رَبِّكَ الَّذِي خَلَقَ، خَلَقَ الْإِنسَانَ مِنْ عَلَقٍ، اقْرَأْ وَرَبُّكَ الْأَكْرَمُ، الَّذِي عَلَّمَ بِالْقَلَمِ، عَلَّمَ الْإِنسَانَ مَا لَمْ يَعْلَمْ﴾ ؟ (العلق: ١ - ٥).
قال «ابن القيم» (٤) - رحمه الله -: «والتعليم بالقلم من أعظم نعمه على عباده، إذ به تخلد العلومُ، وتثبت الحقوق، وتُعلم الوصايا، وتُحفظ الشهادات، ويضبط حساب المعاملات الواقعة بين الناس.. فنعمة الله سبحانه وتعالى بتعليم القلم بعد القرآن من أجل النعم..».
وبين فضل آدم بالعلم، ليكون مؤهَّلا للاستخلاف في الأرض في تنفيذ أوامر الله تعالى فقال: ﴿وَعَلَّمَ آدَمَ الأَسْمَاء كُلَّهَا﴾ (البقرة: ٣١). وامتَنَّ اللهُ سبحانه على عباده بالعلم، الذي من أعظمه القرآنُ فيسر حفظَه وفهمَه على من رحمه (٥) فقال: ﴿الرَّحْمَنُ، عَلَّمَ الْقُرْآنَ، خَلَقَ الْإِنسَانَ، عَلَّمَهُ الْبَيَانَ﴾ (الرحمن: ١ - ٤).
ورَفَعَ شأن العلماء فقرن شهادته تعالى بشهادة الملائكة وأهل العلم على أجل مشهود عليه، وهو توحيدُه تعالى وقيامُه بالعدل فقال: ﴿شَهِدَ اللهُ أَنَّهُ لاَ إِلَهَ إِلاَّ هُوَ وَالْمَلاَئِكَةُ وَأُوْلُواْ الْعِلْمِ قَآئِمَاً بِالْقِسْطِ لاَ إِلَهَ إِلاَّ هُوَ الْعَزِيزُ الْحَكِيمُ﴾ (آل عمران: ١٨). وهذه خصوصية عظيمة للعلماء في هذا المقام (٦).
ونوَّه تعالى بمكانة العلماء، وفضلِهم، ورفعِ درجاتهم فقال: ﴿يَرْفَعِ اللَّهُ الَّذِينَ آمَنُوا مِنكُمْ وَالَّذِينَ أُوتُوا الْعِلْمَ دَرَجَاتٍ وَاللَّهُ بِمَا تَعْمَلُونَ خَبِيرٌ﴾ (المجادلة: ١١).
وقال: ﴿إِنَّمَا يَخْشَى اللَّهَ مِنْ عِبَادِهِ الْعُلَمَاء﴾ (فاطر: ٢٨). وعن «ابن مسعود» أنه قال: «ليس العلمُ عن كثرة الحديث، ولكن العلمَ عن كثرة الخشية». وقال «مالك» :«إن العلمَ ليس بكثرة الرواية، وإنما العلمُ نورٌ يجعله الله في القلب» (٧).
(٢) ذكره «ابن كثير» في «تفسيره» (٧: ٤١٢).
(٣) في «تفسيره» (٥: ١١٢).
(٤) في «مفتاح دار السعادة» (٣٠٠ - ٣٠١) عن «بدائع التفسير» (٥: ٢٨٣).
(٥) «تفسير ابن كثير» (٧: ٤٨٩).
(٦) انظر «تفسير ابن كثير» (٢: ٢٤).
(٧) انظر «تفسير ابن كثير» (٦: ٥٤٥).