واحدة من الحروف والوزن، بل هو- كما قال علماء هذا الشأن- موالاة الكلام على وزن واحد. فإذا تفاوتت أوزانه واختلفت طرقه بأن كان أحد مصاريعه كلمتين وبعضهما أربع كلمات، كان من قبيح الكلام. فللسجع منهج مرتب محفوظ وطريق معين مضبوط متى أخلّ به المتكلم نسب ذلك منه إلى الخروج عن الفصاحة، ومثاله عند العرب قول أبي طالب لسيف بن ذي يزن: «منبتك منبت طابت أرومته، وعزّت جرثومته، وثبت أصله، وبسق فرعه، ونبت زرعه، في أكرم موطن وأطيب معدن».
وأنت لا تجد هذا النسق في كتاب الله تعالى لا في كثير منه ولا قليل. بل هو مرسل عن كل القيود التي ذكرنا، أما اتفاق فواصل بعض الآيات في الوزن والحروف فهو لا يسمى بذلك القدر سجعا، ولعلّك تعثر فيه على مقاطع يتوالى فيها الكلام على وزن واحد مع اتفاق الفاصلة، غير أنه مما يعترض في الكلام اتفاقا ولا يسمى سجعا مقصودا إليه، وإنما يقع مغمورا في الخطاب، كما يقول الإمام الباقلاني. ألا ترى أنك قد تعثر في بعض آيات القرآن على وزن سليم لمصراع من الشعر، وقد تظفر ببيت كامل فيه، كما قد تظفر بمثل ذلك في غير القرآن من سائر أنواع النثر، غير أن أحدا من الناس لا يسمي ذلك شعرا، ولقد قال العلماء إن البيت الواحد وما كان على وزنه لا يكون شعرا، وإنما أقل الشعر بيتان فصاعدا، فمثل ذلك يقال عن السجع أيضا (١).
الخاصّة الثانية (جريانه على مستوى رفيع واحد على الرغم من تنوع المعاني والموضوعات):
فإذا تجاوزنا هذه الخاصّة من خصائص الأسلوب القرآني، وقفنا على خاصّة أخرى هي من الأهمية بمكان، وهي من أجلّ مظاهر الإعجاز في القرآن.
وهي أن التعبير القرآني يظلّ جاريا على نسق رفيع واحد من السموّ في جمال اللفظ ورقة الصياغة وروعة التعبير، رغم تنقله بين موضوعات مختلفة من

(١) راجع للوقوف على تفصيل هذا المبحث كتاب إعجاز القرآن للباقلاني: ص ٥٧.


الصفحة التالية
Icon