ومن القبيل الثاني قوله تعالى: وَالْخَيْلَ وَالْبِغالَ وَالْحَمِيرَ لِتَرْكَبُوها وَزِينَةً وَيَخْلُقُ ما لا تَعْلَمُونَ لقد كان يقرأ هذه الآية أسلافنا، فلا يعنيهم من فهمها إلا قوله: والخيل والبغال والحمير لتركبوها وزينة، إذ كان ذلك القدر هو المنطبق على واقع حياتهم فيما تقصد إليه الآية من الحديث عن وسائل ركوب الإنسان وما في ذلك من نعمة الله عليه. فإذا قرءوا الجملة التي تليها وهي: ويخلق ما لا تعلمون، تاهوا بين تآويل وتفسيرات مختلفة. ويقرؤها إنسان هذا العصر فلا يشك في أن المراد بها هذه الوسائل الحديثة الأخرى التي أضيفت إلى الوسائل السابقة.
وهكذا تجد الآية خطابا لأهل العصور المتتالية كلها، وليست خاصّة بقوم دون قوم أو جيل دون جيل آخر.
فإذا تأملت في هذه الخاصّة بعد تينك السابقتين، رأيت نفسك أمام الدليل القاطع على أن هذا الكتاب إنما هو كلام ربّ العالمين إلى الناس كلهم.
وهيهات أن يقوى الطوق البشري على صياغة كلام يكون على قدر أفهام الناس المتفاوتة وعلومهم المختلفة، بحيث يشعر كل فريق أن الكلام إنما هو على قدر حاجته وفهمه.
الخاصّة الرابعة (ظاهرة التكرار للألفاظ والمعاني):
وقد كانت هذه الخاصة ولا تزال مجال بحث ودرس، وما أكثر ما ظنها بعض المستشرقين الأعاجم ثلمة يمكن التركيز عليها في نقد القرآن وإلحاق النقيصة به.
وفي القرآن من هذه الظاهرة نوعان: أما أحدهما فتكرار بعض الألفاظ أو الجمل وأما الثاني فتكرار بعض المعاني كالأقاصيص والأخبار.
فالنوع الأول منه:
يأتي على وجه التأكيد، ثم هو ينطوي بعد ذلك على نكت بلاغية أخرى كالتهويل، والإنذار، والتجسيم، والتصوير. وللتكرار أثر
وذكر في اللسان نحو ذلك. ويشبه أن تكون الكلمتان في أصلهما من مادة واحدة.