فإذا تجلّت لك هذه الحقيقة، فلتعلم أن الإعجاز البلاغي في القرآن، ليس شيئا أكثر من كونه متحررا عن هاتين الظاهرتين اللتين يتجسد فيهما عجز الإنسان.
اقرأ ما شئت من سور القرآن وآياته، تجد أن كلّا من جانبي اللفظ والمعنى فيه متوافقان متطابقان أتمّ ما يكون الوفاق والتطابق. لا تشعر أن حرفا واحدا يفيض في جانب اللفظ عن المعنى ولا تشعر أن أيّ جانب في المعنى- مهما دقّ ولطف- قد تقاصر اللفظ أو التعبير عن الدلالة عليه.
فهذا هو مصدر الإعجاز البلاغي في كتاب الله تعالى.
ولكن ما الدليل على أن القرآن قد تسامى على هاتين الظاهرتين اللتين يتجسد فيهما عجز الإنسان لدى محاولة تعبيره عن المعاني والأفكار؟
يتجلى الدليل على ذلك من خلال شرح (ولو يسير) لمظاهر الإعجاز البلاغي، وهذا ما سنبدأ به الآن:
المظهر الأول (الكلمة القرآنية):
إن للكلمة القرآنية مزية لا تجدها في الكلمات التي يتكون منها كلام الناس وتعابيرهم مهما سمت في مدارج البلاغة والبيان.
فهي أولا: تتناول من المعنى سطحه وأعماقه وسائر صوره وخصائصه.
ولا تقف عند العموميات التي تقف عند حدودها تعبيراتنا البشرية التي تعاني من العجز الذي أوضحناه.
وهي ثانيا: تمتاز عن سائر مرادفاتها اللغوية بتطابق أتم مع المعنى المراد.
فمهما استبدلت بها غيرها، لم يسدّ مسدّها ولم يغن غناءها، ولم يؤد الصورة التي تؤديها (١).

(١) إنما يتجلى الإعجاز في الكلمة القرآنية، عند ما تكون مستقرة في مكانها من الجملة القرآنية فلا ينطبق شيء مما سنقوله في هذا الصدد على الكلمات القرآنية إذا التقطتها خارج منازلها القرآنية كقواميس اللغة أو كلام الناس مثلا.


الصفحة التالية
Icon