التشريع وعلى ضرورة دراسته والإفادة منه في الدراسات المختلفة... أفيكون هذا التشريع الذي اتّسم بهذا الخلود من وضع جماعات من العرب والأعراب الأميين الذي يحكمهم نظام البادية وأعراف القبيلة؟... أي مجنون هذا الذي يصدّق مثل هذا الخلط والهراء؟...
من أجل هذا اللغز الذي لا يحلّ إلا باليقين بأن هذا القرآن كلام الله، ذهب الباحثون المستشرقون ومن لفّ لفّهم يمينا ويسارا، في البحث عن تحليل مقبول لقصة هذا التشريع الذي ظهر فجأة في الجزيرة العربية، فمرّة فرضوا أنه مقتبس عن القانون الروماني، ولما رأوا أنه لا توجد أيّ جسور واصلة ما بين هذه الفرضية وواقع الجزيرة العربية آنذاك، تحولوا عن هذا القول إلى فرض أنه مقتبس عن الشرائع اليهودية... ولما أعوزهم الدليل على هذا الزعم العجيب، قالوا فلعلّه مقتبس عن شريعة حمورابي.
كل هذا، فرارا من لغز عجيب يلزمهم- إن هم لم يقبلوا وجها من هذه الوجوه- بالقول بأن هذا التشريع ظهر هكذا في جو الجزيرة العربية، دون أن ينبع من أرضها لأنه غير معقول أو أن ينزل من سمائها، لأنهم لا يريدون أن يعترفوا بنبوّة محمد عليه الصلاة والسلام.
ونحن نقول: أما أنه لا يمكن أن يكون قد نبع من أرضها، فهو صحيح، لأن فاقد الشيء لا يعطيه بل لا يستشعر الحاجة إليه. وأما أنه لا يمكن أن يكون قد نزل من سمائها، فهذا ما نخالف فيه إن أردنا أن نحلّ اللغز حلّا يقبله المنطق والعقل. بل نقول إنه لا يمكن إلا أن يكون شرعا منزّلا من السماء أي من لدن ربّ العالمين، نزل به الروح الأمين على قلب محمد صلّى الله عليه وسلّم ليكون من المبلغين له بلسان عربي مبين.
فإن لم نحلّ اللغز عن طريق اليقين بهذه الحقيقة، فلنعلم أن اللغز سيظل قائما. وسيظل كل عاقل في حيرة من أمر هذا التشريع ومصدره، ولن يحلّ شيئا من الأشكال تلك الافتراضات العشوائية التي لا تعتمد على أيّ بينة أو برهان أو حتى إشارة يستأنس بها.
فهذه هي خلاصة القول عن الإعجاز التشريعي في القرآن. أما القول