رسم القرآن والمراحل التحسينية الّتي ندرّج فيها
مما لا شك فيك، أن الصحف التي كانت قد كتبت على عهد النبي صلّى الله عليه وسلّم، والمصاحف العثمانية التي وزعت على الأمصار، كانت كلها خالية عن الشكل والنقط. وكان العرب إذ ذاك يهتدون إلى النطق السليم بوسيلتين:
إحداهما: السليقة العربية الأصيلة التي كانوا يتمتعون بها، والأصالة اللغوية التي كانت فطرتهم مطبوعة عليها، فلم يكن لما عرف بعد ذلك باسم اللحن أي سبيل إلى ألسنتهم، وليس لديهم أي فقر في فهم المعنى الصحيح للفظ من الألفاظ العربية أو في الشكل السليم للنطق بها.
الثانية: التلقي والمشافهة، وقد قلنا إن القرآن كان يضبط ويحفط، بكلّ من وسيلتي الكتاب والتلقّي، فلا الكتابة وحدها كانت معتمدا كافيا لهم، ولا التلقي وحده كان أساسا معتمدا عندهم، بل الأمر إنما يعتمد على كلا الوسيلتين.
فكان التلقي يزيد من وضوح الكتابة، ويزيل ما قد يتصور من اللبس في النطق ببعض الكلمات، كتلك التي تحتمل عددا من وجوه الأداء والقراءة، بسبب عدم توفر النقط فيها. على أن رخصة النطق بالأحرف السبعة في أول عهد العرب بالقرآن ساهمت باعتبارها وسيلة ثالثة في تسهيل ضبط القرآن دراسة وحفظا، وأورثت طمأنينة بعدم الوقوع في أي لبس أو وهم، عند النطق بهذه الكلمات المحتملة.
ومما لا ريب فيه أيضا، أن رسم المصاحف العثمانية التي نسخت على


الصفحة التالية
Icon