ظهرت واستفاضت عن رسول الله صلّى الله عليه وسلّم، وضبطها عنه الأمة (١).
ونتساءل بعد هذا عن الحكمة من نزول القرآن على سبعة أحرف، وهل كان ذلك رخصة منوطة بسبب عارض أم هو عزيمة باقية؟
يتضح لك من الأحاديث التي ذكرناها في أول البحث، أن الحكمة من نزول القرآن على سبعة أحرف، هي التخفيف على العباد وتسهيل سبيل قراءة القرآن عليهم، إذ فيهم كما قال عليه الصلاة والسلام العجوز والشيخ الكبير والرجل الذي لا يقرأ كتابا.
واستنادا إلى هذا الدليل، ذهب كثير من أهل العلم إلى أن ذلك إنما كان رخصة اقتضاها حال العرب في صدر الإسلام من تفرقهم واختلافهم إلى قبائل شتى يتخالفون ويتفاوتون في كيفية القراءة والنطق. والرخصة هي تحوّل الحكم الشرعي إلى الأسهل لعذر مع قيام السبب للحكم الأصلي (٢).
يدل على ذلك إلى جانب دلالة الأحاديث السابقة، أن هذا الإذن من الله عزّ وجلّ في القراءة بالأحرف السبعة إنما اقتصر على القراءة فقط، أما كتابة القرآن فإنما كانت بحرف واحد هو حرف قريش، وهو الحرف الذي أشار إليه جبريل بقوله في أول الحديث الذي رواه مسلم عن أبي بن كعب: إن الله يأمرك أن تقرئ القرآن على حرف.
قال مكّي بن طالب: «وكان المصحف قد كتب على لغة قريش، على حرف واحد، ليقلّ الاختلاف بين المسلمين في القراءة... » (٣).
وهكذا، فقد كانت كتابة المصحف بحرفه الأصلي الواحد ضمانة لبقائه والرجوع إليه بعد انتهاء العذر الذي اقتضى التخفيف، كما كانت ضمانة لعدم ضياعه وتميّعه في غمار تلك الأحرف الأخرى التي أذن الله عزّ وجلّ أن تقرأ بها قبائل العرب تخفيفا وتيسيرا.
(٢) انظر جمع الجوامع وشرحه ١ - ٦٧.
(٣) الإبانة ص ٣.