ولنتساءل إذا: ما هو مصير الأحرف السبعة اليوم؟
والجواب أن مصيرها مصير كل رخصة زال العذر المسبّب لها. وقد علمت أن جواز القراءة بالأحرف الستة الأخرى غير التي كان يكتب بها القرآن، إنما كان رخصة اقتضاها حال العرب في صدر الإسلام لما قد رأيت من اختلاف اللهجات وشيوع الأمية. فلما صهرهم الدين وجمعهم القرآن وتقلصت الأمية، انتهت الرخصة وانحسرت الحاجة إليها، وعاد الحكم فانحصر بالحرف الذي كان يكتب؛ وهو حرف قريش. فاجتمع الناس كلهم على النطق به معتمدين في ذلك على ما وجدوه مكتوبا عندهم من الرسم الصحيح المعتمد للقرآن.
روى القرطبي عن الطحاوي: «إنما كانت السعة للناس في الحروف لعجزهم عن أخذ القرآن على غير لغاتهم، لأنهم كانوا أميين لا يكتب إلا لقليل منهم، فلما كان يشقّ على كلّ ذي لغة أن يتحول إلى غيرها من اللغات، ولو رام ذلك لم يتهيأ إلّا بمشقة عظيمة، فوسّع لهم في اختلاف الألفاظ إذا كان المعنى متفقا. فكانوا كذلك حتى كثر منهم من يكتب وعادت لغاتهم إلى لسان رسول الله صلّى الله عليه وسلّم فقدروا بذلك على تحفّظ ألفاظه، فلم يسعهم حينئذ أن يقرءوا بخلافها (١).
وذكر النووي مثل هذا في شرحه على صحيح مسلم (٢).
وعزا الزرقاني على الموطأ ذلك إلى أكثر أهل العلم كابن عيينة وابن وهب والطبري وابن عبد البرّ والطحاوي (٣).
ولكن كيف سقط العمل بما يخالف خط المصحف، حتى لم تجز القراءة بالأحرف الأخرى وهل كان ذلك على عهد رسول الله صلّى الله عليه وسلّم وبأمره أم في عهد عثمان وبتوجيهه؟

(١) الجامع لأحكام القرآن: ١ - ٤٢، ٤٣.
(٢) انظر شرح النووي على مسلم: ٦ - ١١.
(٣) الزرقاني على الموطأ: ١ - ٢٦٣.


الصفحة التالية
Icon