إن هذا القول رغم إجلالنا لقائله وهو ابن جرير الطبري إلّا أنا نقول كما قال علماؤنا:
هذا الرجل كبير، ولكن الحق أكبر منه، لذا فقد خالفه جماهير العلماء فيما ذهب إليه. ولو أمعن بعض المحدثين فيما اعترض به على ابن جرير لما ذهبوا مذهبه، بل أوقعتهم ثقتهم بهذا المفسر العظيم حين افتتح كتابه بالحديث عن علوم القرآن، وبحث الأحرف السبعة، وأطال الاستدلال، فتوهم هؤلاء بأن رأيه الحق الذي لا بديل له.
أما القول الثاني فهو رأي ابن قتيبة وابن الجزري والقاضي الباقلاني ابن الطيب والرازي وابن كثير، وقد قال به كثير من المحدثين كالزرقاني الذي تابعه كثيرون.
لقد قال هؤلاء جميعا: إن المراد بالأحرف السبعة أوجه سبعة، وهي لا تخرج عن سبعة أوجه في الاختلاف (١).
الأول: اختلاف الأسماء من إفراد وتثنية وجمع، وتذكير وتأنيث مثاله قوله تعالى: وَالَّذِينَ هُمْ لِأَماناتِهِمْ وَعَهْدِهِمْ راعُونَ [المؤمنون: ٨] لأمانتهم بالإفراد، وَالَّذِينَ هُمْ لِأَماناتِهِمْ وَعَهْدِهِمْ راعُونَ لأماناتهم بالجمع.
الثاني: اختلاف تصريف الأفعال من ماض، ومضارع، وأمر مثاله قوله تعالى:
رَبَّنا باعِدْ بَيْنَ أَسْفارِنا [سبأ: ١٩] «ربنا بعّد بين أسفارنا».
الثالث: اختلاف في وجوه الإعراب. مثاله: أَنَّ اللَّهَ بَرِيءٌ مِنَ الْمُشْرِكِينَ وَرَسُولُهُ [التوبة: ٣] ورسوله بالضم، ورسوله بالفتح.
الرابع: الاختلاف بالنقص والزيادة، مثاله: وَما خَلَقَ الذَّكَرَ وَالْأُنْثى [الليل: ٣] (والذكر والأنثى) بنقص لفظ وما خلق، ونحو «أوصى» «ووصى» بنقص حرف الهمزة.
الخامس: الاختلاف في التقديم والتأخير، مثاله فَيَقْتُلُونَ وَيُقْتَلُونَ [التوبة: ١١١] بمعنى قاتل ومقتول، أو «فيقتلون ويقتلون» بمعنى مقتول وقاتل، وكلاهما موعود بالحسنى وبالجنة، ومثاله: وَجاءَتْ سَكْرَةُ الْمَوْتِ بِالْحَقِّ [ق: ١٩] «وجاءت سكرة الحق بالموت».