أكثر من قراءة، بل حين بدأ نزول الوحي بدأها بأول كلمة في أول سورة نزلت هي (اقرأ) ففيها قراءتان متواتران:
الأولى: هي قراءة الجمهور بهمزة ساكنة.
والثانية: قراءة أبي جعفر بحذف الهمزة (اقرا يقرا كسعى يسعى)، وإنّه لأمر يسترعي الانتباه أن تكون أول كلمة في أول سورة نزلت كلمة اقرأ وأن يكون القرآن والقراءات مشتقا من مشتقاتها.
بعد هذا التمهيد، أرى أن الحديث عن مصدر القراءات هو الحاسم لكثير من الشبه والأضاليل، التي يتمسك بها المستشرقون، والتي كان لأقوال بعض المفسرين وبعض العلماء قدر غير يسير في الإسهام في مد أولئك الملحدين بشيء من أسباب الضلالة، من غير قصد منهم رحمهم الله لما لم يلزموا جانب الحيطة والحذر، وأقصى غايات الحذر في هذا الأمر الجلل، فقد أمدوا- من حيث لا يشعرون- من في قلبه مرض واستعداد طبيعي لاتخاذ كل شاردة وواردة من القول صيدا ثمينا، وفرصة ذهبية للنيل من مقدسات هذه الأمة وقرآنها.
أقول: إن المصدر الوحيد للقراءات، إنما هو الوحي النازل من السماء إلى النبي عليه الصلاة والسلام، الذي بلّغه بكل دقة، وبكل حركة إلى أصحابه الكرام، فكان يقرئهم إياه كما أنزل، كما روى ابن مسعود أن النبي صلّى الله عليه وسلّم كان يقرئهم العشر فلا يجاوزونها إلى عشر أخرى حتى يتعلموا ما فيها من العلم والعمل، فإذا ما علمهم القرآن، فأتقنوا تلاوته، أحبّ أن يسمعه منهم، توثيقا لما سمعوه عنه.
روى البخاري ومسلم عن ابن مسعود- رضي الله عنه- قال: قال لي رسول الله صلّى الله عليه وسلّم: «اقرأ عليّ القرآن»، فقلت: يا رسول الله أقرأ عليك وعليك أنزل، قال: «إني أحب أن أسمعه من غيري»، فقرأت عليه سورة النساء... حتى إذا جئت إلى هذه الآية:
فَكَيْفَ إِذا جِئْنا مِنْ كُلِّ أُمَّةٍ بِشَهِيدٍ وَجِئْنا بِكَ عَلى هؤُلاءِ شَهِيداً [النساء: ٤١] (١).