بعد هذا التنويه والتنبيه نقول: إن كان الحديث عن القراءات ومعناها قد كثر فيه الخلاف والاختلاف بين أئمة هذا العلم، فإن الحديث عن أركانها أكثر اختلافا، فبعضهم يشترط لقبول القراءة أركانا ثلاثة، ومنهم من يكتفي بركنين، ومنهم من يقتصر على ركن واحد. والقائلون بالأركان الثلاثة يتفاوتون في الأخذ بكل ركن منها، وسأضع بين يديك هذه الأركان كما نظمها أحد أئمة هذا الشأن شعرا فقال:

فكل ما وافق وجه النحو وكان للرسم احتمالا يحوي
وصح إسنادا هو القرآن فهذه الثلاثة الأركان
وحيثما يختل ركن أثبت شذوذه لو أنه في السبعة (١) تلك هي الأركان الثلاثة، وسأبدأ بأهمها، بل المجمع على اشتراطه إلا وهو:
١ - صحة السند:
هذا أول الأركان المعتبرة، بل هو الذي يستهل به العلماء حديثهم عن أركان القراءات.
فابن مجاهد شيخ هذه الصنعة إذ هو أول من سبع السبعة قد قال: (والقراءة التي عليها الناس بالمدينة ومكة والكوفة والبصرة والشام، هي القراءة التي تلقوها عن أوّليهم
تلقّيا، وقام بها في كل مصر من هذه الأمصار رجل ممن أخذ عن التابعين، أجمعت الخاصة والعامة على قراءته، وسلكوا فيها طريقه وتمسّكوا بمذهبه) (٢)، فلا يمكن اعتبار القراءة القرآنية إلّا إذا كانت قد أخذت بطريق التلقي والمشافهة، وهذا ما يؤكده في موضع آخر حيث يقول: (فهؤلاء سبعة نفر من أهل الحجاز والعراق والشام خلفوا في القراءة التابعين، وأجمعت على قراءتهم العوام من أهل كلّ مصر من هذه الأمصار) (٣).
(١) من منظومة ابن الجزري طيبة النشر في القراءات العشر.
(٢) كتاب السبعة، ص ٤٩.
(٣) كتاب السبعة، ص ٨٧.


الصفحة التالية
Icon