الفريق الأول: وعلى رأسهم الإمام الشافعي الذي شدد النكير على القائلين إن في هذا القرآن غير لغة العرب فأخذ يقيم الحجة بأن القرآن كله عربي، لقوله تعالى:
إِنَّا أَنْزَلْناهُ قُرْآناً عَرَبِيًّا لَعَلَّكُمْ تَعْقِلُونَ [يوسف: ٢]. وقوله تعالى: كِتابٌ فُصِّلَتْ آياتُهُ قُرْآناً عَرَبِيًّا لِقَوْمٍ يَعْلَمُونَ [فصلت: ٣]. وقوله: وَإِنَّهُ لَتَنْزِيلُ رَبِّ الْعالَمِينَ ١٩٢ نَزَلَ بِهِ الرُّوحُ الْأَمِينُ ١٩٣ عَلى قَلْبِكَ لِتَكُونَ مِنَ الْمُنْذِرِينَ ١٩٤ بِلِسانٍ عَرَبِيٍّ مُبِينٍ [الشعراء: ١٩٢ - ١٩٥].
يقول الشافعي في رسالته:
ومن جماع علم كتاب الله العلم بأن جميع كتاب الله إنما نزل بلسان العرب..
فالواجب على العالمين ألا يقولوا إلا من حيث علموا، وقد تكلم في العلم من لو أمسك عن بعض ما تكلم فيه منه لكان الإمساك أولى به، وأقرب إلى السلامة له إن شاء الله.
فقال قائل منهم: إن في القرآن عربيا وأعجميا، والقرآن يدل على أن ليس من كتاب الله شيء إلا بلسان العرب، ووجد قائل هذا القول من قبل ذلك منه تقليدا له، وتركا للمسألة عن حجّته ومسألة غيره ممن خالفه، وبالتقليد أغفل من أغفل منهم، والله يغفر لنا ولهم، ولعلّ من قال: إن في القرآن غير لسان العرب وقبل ذلك منه، ذهب إلى أن من القرآن خاصّا يجهل بعضه بعض العرب، ولسان العرب أوسع الألسنة مذهبا، وأكثرها ألفاظا، ولا نعلمه يحيط بجميع علمه إنسان غير نبيّ، ولكنه لا يذهب منه شيء، على عامتها حتى يكون موجودا فيها من يعرفه، والعلم به عند العرب، كالعلم بالسّنة عند أهل الفقه، لا نعلم رجلا جمع السّنن فلم يذهب منها شيء، فإذا جمع علم عامّة أهل العلم بها أتى على السّنن، وإذا فرق علم كل واحد منهم، ذهب عليه الشيء منها، ثم كان ما ذهب عليه منها موجودا عند غيره (١).
وأما الطبري فقد قال: إن الذي قالوه من ذلك غير خارج من معنى ما قلنا، من أجل أنهم لم يقولوا: هذه الأحرف وما أشبهها لم تكن للعرب كلاما، ولا كان ذاك