لها منطقا قبل نزول القرآن، ولا كانت بها العرب عارفة قبل مجيء الفرقان، فيكون ذلك قولا لقولنا خلافا، وإنما قال بعضهم: حرف كذا بلسان الحبشة معناه كذا، وحرف كذا بلسان العجم معناه كذا. ولم نستنكر أن يكون من الكلام ما يتفق فيه ألفاظ جميع أجناس الأمم المختلفة الألسن بمعنى واحد، فكيف بجنسين منها؟ كما قد وجدنا اتفاق كثير منه فيما قد علمناه من الألسن المختلفة، وذلك كالدرهم، والدينار والدواة، والقلم والقرطاس، وغير ذلك مما يتعب إحصاؤه ويملّ تعداده، لذا كرهنا إطالة الكتابة بذكره، مما اتفقت فيه الفارسية والعربية باللفظ والمعنى، ولعلّ ذلك كذلك في سائر الألسن التي نجهل منطقها ولا نعرف كلامها.
فلو أن قائلا قال- فيما ذكرنا من الأشياء التي عددنا وأخبرنا اتفاقه في اللفظ والمعنى بالفارسية والعربية وما أشبه ذلك، مما سكتنا عن ذكره-: كلّه فارسي لا عربي، أو ذلك كلّه عربي لا فارسي، أو قال: بعضه عربي وبعضه فارسي، أو قال:
كان مخرج أصله من عند العرب، فوقع إلى العجم فنطقوا به، أو قال: كان مخرج أصله من عند الفرس فوقع إلى العرب فأعربته، كان مستجهلا، لأن العرب ليست بأولى أن تقول: كان مخرج أصل ذلك منها إلى العجم. ولا العجم بأحق أن تقول:
كان مخرج أصل ذلك منها إلى العرب، إذا كان استعمال ذلك بلفظ واحد ومعنى واحد موجودا في الجنسين.. ثم قال: وهذا المعنى الذي قلناه في ذلك هو معنى قول من قال: في القرآن من كل لسان، عندنا بمعنى: أن فيه من كلّ لسان اتفق فيه لفظ العرب ولفظ غيرهم من الأمم التي تنطق به نظير ما وضعنا من القول فيما مضى، وذلك أنه غير جائز أن يتوهّم على ذي فطرة صحيحة، مقرّ بكتاب الله، ممن قرأ القرآن وعرف حدود الله، أن يعتقد أنّ بعض القرآن فارسيّ لا عربيّ، وبعضه حبشيّ لا عربيّ بعد ما أخبر الله تعالى أنه جعله قرآنا عربيا (١).
وقد ذهب فخر الدين الرازيّ المفسّر، والعالم اللغويّ ابن فارس إلى هذا الرأي وأطال الاستشهاد على صحة هذا القول، ومما قاله: «لو كان في القرآن الكريم من