غير لغة العرب شيء لتوهّم متوهّم أن العرب إنما عجزت عن الإتيان مثله، لأنه أتى بلغات لا يعرفونها (١).
هذه أدلة الإمام الشافعي ومن معه، ويجدر بالذكر أن هذا الفريق وإن كان يقول: إن جميع ألفاظ القرآن عربية إلا أنه لا ينكر موافقة لسان العرب للسان العجم كما يقول الشافعي، ولا ينكر إذا كان اللفظ قيل تعلما أو نطق به موضوعا، أن يوافق لسان العجم أو بعضها قليلا من لسان العرب، كما يتفق القليل من ألسنة الأعاجم المتباينة في أكثر كلامها مع تنائي ديارها، واختلاف لسانها، وبعد الأواصر بينها وبين من وافقت بعض لسانه (٢).
ويمثل أبو عبيد على ذلك بالمثال التطبيقي فيقول: «وقد يوافق اللفظ اللفظ ويفارقه ومعناهما واحد، أحدهما بالعربية والآخر بالفارسية أو غيرها، فمن ذلك الإستبرق بالعربية، وهو الغليظ من الديباج، وهو استبره بالفارسية» ثم ختم أبو عبيد كلامه بقوله: «من زعم أن في القرآن لسانا سوى العربية فقد أعظم القول» (٣).
يقول أبو بكر الباقلاني: القرآن عربي لا عجمة فيه، فكل كلمة في القرآن استعملها أهل لغة أخرى فيكون أصلها عربيا إنما غيّرها غيرهم تغييرا ما، كما غيّر العبرانيون فقالوا: للإله، لاهوت، وللناسك: ناسوت.
أما الفريق الثاني فهو فريق المتساهلين، الذين حكموا بأن القرآن شامل لجميع لغات العالم في زمنهم، استنادا لقوله تعالى: ما فَرَّطْنا فِي الْكِتابِ مِنْ شَيْءٍ [الأنعام: ٣٨] فالآية حسب زعمهم شاملة وعامّة، لذا قالوا: إن القرآن فيه من كلّ لهجة عربية بل باللغات الشائعة في زمن نزوله... كالفارسية والرومية والعبرية، لذا فقد تساهلوا وتوسعوا في الألفاظ الوافدة التي استعملها القرآن الكريم ظنّا منهم أنها مزية من مزاياه في عدم التفريط بشموليته لسائر اللهجات واللغات. قال الثعلبي: إنه ليس لغة في الدنيا إلا وهي في القرآن.
(٢) الرسالة للإمام الشافعي ص ٤٤ - ٤٥.
(٣) الصاحبي ص ٤٣ - ٤٤.