ويرى أن وقوع هذه الألفاظ في القرآن إنما يدل على حكمة احتوائه لعلوم الأولين والآخرين، ومن ضمن ذلك إحاطته بجميع اللغات والألسن.
مما تقدم يتبين لنا أن هناك خلافا بين الفريقين، هو خلاف حقيقيّ شكليّ، وعلي الرغم من وضوح حقيقة الخلاف إلا أبا عبيد القاسم بن سلّام قد صبغ الخلاف وفاقا.
(قال أبو عبيد القاسم بن سلام: (إنّ القرآن كلّه عربيّ، وروي عن ابن عباس ومجاهد وعكرمة وغيرهم في أحرف كثيرة من غير لسان العرب مثل: سجّيل ومشكاة واليم والطور وأباريق وإستبرق وغير ذلك، فهؤلاء أعلم بالتأويل من أبي عبيدة، ولكنهم ذهبوا إلى مذهب، وذهب هذا إلى غيره، وكلاهما مصيب إن شاء الله تعالى، وذلك أن هذه الحروف بغير لسان العرب في الأصل، فقال أولئك على الأصل ثم لفظت به العرب بألسنتها، فعرّبته فصار عربيا بتعريبها إياه، فهي عربية في هذه الحال أعجمية الأصل) (١).
وعلق الشيخ الزفزاف فقال: (وهذا الرأي الذي ذكره أبو عبيد، إنما أراد به أن يجعل الخلاف بين الفريقين السابقين لفظيا. والذي يظهر لي أنه ليس كذلك، لأن الإمام الشافعي ومن معه لم يكونوا يجهلون أن العرب إذا تكملت اللفظ الأعجمي يصبح عربيا، ولكنهم كانوا يرون أن القطع بأن هذه الألفاظ أعجمية الأصل لا سبيل إليه. كما يفهم ذلك من القرآن وكما يفهم من كلام القاضي أبي بكر الباقلاني، وهم يرون غلق هذا الباب) (٢).
ثم استدل هذا الفريق أولا: بالآية القرآنية وَما أَرْسَلْنا مِنْ رَسُولٍ إِلَّا بِلِسانِ قَوْمِهِ [إبراهيم: ٤].
ووجه الدلالة في الآية أنّ كلّ رسول مرسل إلى قومه، فيتحدّث بلسانهم والنبيّ صلّى الله عليه وسلّم مرسل إلى كلّ الأمم فلا بد أن يكون في الكتاب المبعوث إليهم من لسان كلّ قوم إن كان أصله بلغة قومه هو.
(٢) القرآن والحديث للشيخ الزفزاف.