ثانيا: ورد في القرآن الكريم أعلام أعجمية وهي كما يقول علماء النحو ممنوعة من الصرف، وعلة ذلك العلمية والعجمة، وإذا اتفق على وقوع الأعلام فلا مانع من وقوع الأجناس.
ثالثا: أما الدليل الأخير فهو القياس كما ذكره ابن جني «إن ما قيس على كلام العرب. فهو من كلام العرب» (١).
الفريق الثالث: وهو الوسط بين الفريقين فليس بمبالغ ولا متساهل، ذلك أنه أثبت وجود كلمة أعجمية، ولكنها لما عرّبت، أصبحت عربية، فوصف القرآن بأنه عربيّ صحيح، لأن المعرب كالعربي سواء بسواء، وبهذا القول يكون قد وافق فريق المتساهلين، ولكنه يخالفه في الإفراط بالكم من هذه الكلمات إلى درجة إثبات أن القرآن فيه كل اللغات واللهجات، أو على حد تعبيرهم في القرآن من كلّ لسان عربي.
أما وجه مخالفة الفريق الثالث للفريق الأول: فإن العرب في جاهليتهم قد استعملوا كلمات أعجمية، ولكنه لاكوها بألسنتهم وأخضعوها لتفعيلاتهم، فأصبحت معربة، فامرؤ القيس استعمل لفظة السجنجل في معلقته المشهورة:

مهفهفة بيضاء غير مفاضة ترائبها مصقولة كالسّجنجل
والسجنجل بمعنى المرآة وهي لفظة معربة (٢) لم يستعملها العرب من قبل، والتعريب في هذه الألفاظ لا يكون بأخذها كما وردت عن الأعاجم، بل لا بدّ من صياغتها على تفعيلة من التفعيلات العربية، كأفعل وفعل وفاعل وافتعل واستفعل وغيرها، فإن وافقتها أخذ بها. وإلا أنقص أو بدّل حرف منها حتى توافق أوزان التفعيلات، فالتعريب هو صوغ الكلمة الأعجمية صياغة جديدة بالوزن والحروف العربية، وبهذا دخلت الألفاظ الأعجمية إلى اللغة العربية، ولكنها أصبحت عربية حين لاكتها العرب بألسنتها، نعم إننا لا نستطيع أن نجزم أن جميع الألفاظ التي
(١) الخصائص ج ١، ص ٣٥٧.
(٢) انظر شرح المعلقات السبع للزوزني.


الصفحة التالية
Icon