أوردها بعض العلماء هي ألفاظ أعجمية في الأصل، لأن القطع بهذا يحتاج إلى تتبع اللفظ والتنقلات التي اعتورته حتى نصل إلى منشئه الأصلي. هذا أولا.
ثانيا: إن الفريق الأول الذي استدل على عربية القرآن، وأنه ليس فيه كلمة معربة بمعنى أن أصلها أعجمي، ثم نقلت إلى العربية، قد خالفوا سنة التأثير والتأثر بين اللغات، وحكموا أن اللغة العربية قد أثرت في اللغات الأخرى على الدوام والاستمرار، فقد أثرت ولم تتأثر، وأقرضت ولم تستقرض، ويعللون هذه الظاهرة بأحد أمرين كما يقول الشيخ أحمد شاكر (١):
أولهما: أن العرب من أقدم الأمم، ولغتها من أقدم اللغات وجودا، كانت قبل إبراهيم وإسماعيل، وقبل الكلدانية (٢) والعبرية (٣) والسريانية (٤)، وغيرها، بله الفارسية. وقد ذهب منها الشيء الكثير بذهاب مدنيتهم الأولى قبل التاريخ، فلعل الألفاظ القرآنية، التي يظنّ أن أصلها ليس من لسان العرب، لا يعرف مصدر اشتقاقها، لعلها من بعض ما فقد أصله وبقي الحرف وحده.
ثانيهما: اتساع اللغة العربية: يقول الإمام الشافعي: ولسان العرب أوسع الألسنة مذهبا، وأكثرها ألفاظا، ولا نعلمه يحيط بجميع علمه إنسان غير نبي (٥).
ولذا وجدنا ابن عباس، مع علمه الواسع، يخفى عليه معنى «فاطر» فروي عنه أنه قال: «كنت لا أدري ما فاطر السموات والأرض، حتى أتاني أعرابيان يختصمان في بئر، فقال أحدهما لصاحبه: أنا فطرتها، أي: بدأتها» (٦).

(١) انظر تقديم أحمد شاكر لكتاب الرسالة.
(٢) الكلدانية نسبة إلى الكلدانيين بالضم وهم طائفة من عبدة الكواكب. تاج العروس ٢/ ٤٨٦.
(٣) العبرية والعبرانية لغة اليهود. لسان العرب: عبر.
(٤) السريانية: لغة سواد العراق. المعرب ٦٠.
(٥) الرسالة للإمام الشافعي.
(٦) تفسير ابن كثير لمطلع سورة فاطر.


الصفحة التالية
Icon