ونظرا لاتساع اللغة العربية فقد رأوا أنها المصدر لتلك اللغات، أو المؤثر والمقرض لتلك اللغات، فقد أعطت ولم تأخذ، وأثّرت ولم تتأثر، وأقرضت ولم تقترض.. إلخ.
المناقشة والرد والنقض لهذه الأدلة:
١ - إن قضية أقدمية اللغة العربية غير مسلم بها، والنظريات في الأقدميات لم تستقر على حال، وهي أدلة ظنية، وهناك كلام طويل في لغة آدم عليه السلام، وكلام طويل في توقيفية اللغة ووضعها من البشر، والخلاف في هذه القضية طويل وعريض.
ولكن من المسلم به أن اللغات قد عايش بعضها بعضها، واحتك البشر بالبشر فجريا على سنة التأثير والتأثر، جرى الإقراض والاقتراض، واللغة العربية لم تخرج عن هذه السنة، وليست لغة بأولى من لغة في هذه السنة.
٢ - أما القول بأن اللغة العربية من أوسع اللغات فلا يحتم ذلك أن تكون دوما هي المؤثر الذي لا يتأثر، والمقرض الذي لا يقترض.
مجمل القول أن أقدمية اللغة وسعتها لا تمنعان شيئا مما قلناه، وأقصى ما يمكن قوله: إنها اللغة الأكثر تأثيرا وإقراضا، وهذا الأمر هو الصواب.
٣ - أما القول: بأن ابن عباس قد خفي عليه معنى فاطر، فلا ينهض دليلا على ما يقولون؛ لأن خفاء المعاني على العلماء لا يدلّ على سلب أو إيجاب في هذا المقام.
وبعد: فيظهر مما تقدم أن القول الراجح هو رأي الفريق الثالث، وهو قول ترجمان القرآن ابن عباس الذي دعا له النبي صلّى الله عليه وسلّم: «اللهم فقهه في الدين وعلمه التأويل» ووافقه تلميذه مجاهد وعكرمة، فهم أعلم بالتأويل كما يقول أبو عبيد مخالفا شيخه أبا عبيدة.
«فهؤلاء أعلم بالتأويل من أبي عبيدة» (١) وقد رويت عنهم أقوال في بيان الأصل الأعجمي لبعض الألفاظ القرآنية، وهذا غير مانع من وضعها بالعربية لأن تعريب

(١) المعرب للجواليقي ص ٥٣، والمهذب للسيوطي ص ١٨.


الصفحة التالية
Icon