وبعد فلقد آن الأوان لمعرفة مقدار ما فسّره النبي صلّى الله عليه وسلّم من القرآن، بعد أن تبين لنا فساد القول بأنه صلّى الله عليه وسلّم قد فسّر جميع القرآن، بل فساد فهم نسبة هذا القول لابن تيمية، رحمه الله تعالى، وأن الإمام السيوطي وأستاذنا الذهبي لم يحالفهما التوفيق في هذا الفهم السقيم، لذا رأينا السيوطي يتدارك ذلك فيما بعد.
كما أن تفسير النبي صلّى الله عليه وسلّم لأكثر القرآن هو قول بعيد عن الواقع، لأن المدون من تفسيره ليس كثيرا بل هو قليل.
نعم لو توسع متوسع في معنى البيان، حتى يجعله شاملا للأحكام التي زادتها السنة على ما في القرآن، كتحريم نكاح المرأة على عمتها وخالتها، وتحريم الحمر الأهلية وكلّ ذي ناب من السباع، والقضاء بشاهد ويمين، وغير ذلك، بل يجعله شاملا للسنة بأسرها كما قال الشافعي: كل ما حكم به رسول الله صلّى الله عليه وسلّم فهو مما فهمه من القرآن.
أقول: لو توسعنا في معنى البيان- بمثل هذا- لكان مقدار التفسير كثيرا بل يزيد على حجم القرآن.
ولكن إن أردنا التفسير بالمعنى المراد عند علماء الحديث، حين دونوا الحديث، وجعلوا فيه بابا للتفسير، فإن التفسير قليل لا يتجاوز المذكور في كتبهم «وهو قليل جدا، بل أصل المرفوع منه في غاية القلة» كما يقول السيوطي (١)، الذي وعد عد بسردها في آخر كتاب الإتقان، وقد وفّى هذا الحافظ- رحمه الله- وأوردها بما لا مزيد عليه، حيث أورد جميع تفسير النبي صلّى الله عليه وسلّم الله عليه وسلم الثابت في كتب الصحاح والسنن، وكان نزرا يسيرا وبه لا يصح دعوى أستاذنا الذهبي أن التفسير كان كثيرا.
هذا ما انتهى إليه بحثنا في المقدار الذي فسره النبي صلّى الله عليه وسلّم من القرآن، وهو قليل، ولكنه ليس قليلا بالغا من القلة آيات تعد على أصابع اليد الواحدة ثلاث أو أربع آيات، استنادا إلى الحديث المروي عن عائشة «لم يكن النبيّ صلّى الله عليه وسلّم يفسر شيئا من القرآن إلا آيات تعدّ، علمهن إياه جبريل». فإن هذا الحديث منكر، كما قاله غير واحد من الحفاظ وأعلام الجرح والتعديل، لأن من رواته جعفر بن محمد الزبيري