لمن المهمات التي تتوافر الدواعي على نقلها، والعلم بها للقاصي والداني، كيف لا وهو بيان أول مصادر الشريعة، وأعظم أصول الدين، ولو كان هذا ما رأينا مثل هذا الحشد الضخم من التفسير بالرأي الذي نهض به أكابر علماء الأمة وأعلامها، وحفلت به كتبهم، مع إجماع أهل الحل والعقد منها في كل زمان إلى يومنا هذا، على صحة كثير من تفسيرهم ذلك، وعدم النكير على صنيع أصحابه، فلو عرف هؤلاء الأعلام مثل هذا البيان، فما كانت حاجتهم بعده إذا إلى إضاعة الكثير من وقتهم وجهدهم في تصنيف هذه التفاسير، اللهم إلا أن يرضى عاقل لنفسه اتهام أعلام الأمة ونقلة دينها بركوب العبث، ومخالفة النبي صلّى الله عليه وسلّم، وأخيرا فإن هذا هو رأي أئمة التفسير كالبيضاوي والشوكاني وغيرهم.
المصدر الثالث أقوال الصحابة
بعد أن بسطنا القول في تفسير القرآن بالقرآن، وفي تفسيره بالسنة جاء أوان القول إذا لم نجد التفسير في القرآن أو في السنة فإن المصدر الثالث في الأهمية هو أقوال الصحابة رضوان الله عليهم.
والذي يجب الانتباه إليه التفريق بين أقوال الصحابة، فإن أقوال الصحابة في الأمور التي لا مجال للرأي فيها تعطى حكم المرفوع إلى النبي صلّى الله عليه وسلّم، كحديث الصحابة عن سبب النزول، هذا هو الشرط الأول في اعتبار قول الصحابي له حكم المرفوع، أما الشرط الثاني فقد نبه إليه علماء الحديث وهو: أن لا يكون من صدر عنه مثل ذلك القول من الصحابة قد عرف بالأخذ عن بني إسرائيل في بعض الأحيان طبعا، وإلّا لم يعط حكم المرفوع؛ لاحتمال أن يكون من منقولاته عنهم (١)، وبعبارة أوضح، أن لا يحتمل أن يكون لقوله صلة بما عند بني إسرائيل، تلقى في النفس احتمال أن يكونوا هم الأصل في العلم به.

(١) انظر نزهة النظم في شرح نخبة الفكر ص ٤١.


الصفحة التالية
Icon