أما إذا قال الصحابي برأيه في القرآن، فينبغي التحاكم إليهم فيما هو بلسانهم، لأن أكثرهم عرب خلّص، ولهم من الفهم السليم والرأي السديد ما ليس لسواهم، فهم لذلك أحقّ من غيرهم في الأخذ بقولهم وفهمهم. وما يجدر ذكره أن أغلب ما ثبت من اختلاف الصحابة، بل السلف في التفسير، هو ما يتبين فيه وجه الصواب، بل مما يمكن فيه الجمع بين الأقوال المختلفة، والأخذ بها جميعا، وكذلك فإن غالب ما ثبت عنهم في ذلك إنما يرجع إلى اختلاف تنوع، لا اختلاف تضاد، على ما بين ابن تيمية في مقدمته في أصول التفسير. فلقد عقد في ذلك فصلا في اختلاف السلف في التفسير وأنه اختلاف تنوع.
ولا يفوتنا أن ننبه إلى خطأ من فهم من كلام ابن تيمية، وهو أن كل خلاف الصحابة هو اختلاف تنوع، لا اختلاف تضاد، ثم أخذ يدلل على هذا الكلام.
والحقيقة أن كلام ابن تيمية لا يفيد هذا المعنى، وكأن الذي ورطه في هذا الفهم السقيم، هو العنوان الذي وضعه ابن تيمية حيث قال: (فصل في اختلاف السلف وأنه اختلاف تنوع)، ولكنه لو أتم قراءة ما تحت هذا العنوان لوجد الرأي الصحيح والفهم السديد لكلام ابن تيمية، حيث قال بعد سطرين:
(وغالب ما يصح عنهم في الخلاف يرجع إلى اختلاف تنوع لا اختلاف تضاد).
لاحظ كلمة غالب، وليس كل، فالاختلاف في غالبه لا جميعه هو اختلاف تنوع لا اختلاف تضاد، كيف لا وقد وجد اختلاف تضاد بين الصحابة رضوان الله عليهم، بل وقع اختلاف التضاد بين أكبر علمين من الصحابة في التفسير، وهما عبد الله بن عباس وعبد الله بن مسعود، فقد روي عن عبد الله بن عباس في تفسير قوله تعالى:
وَلَقَدْ رَآهُ نَزْلَةً أُخْرى [النجم: ١٣]. قال ابن جرير: عن عكرمة عن ابن عباس: أن رسول الله صلّى الله عليه وسلّم رأى ربّه بقلبه (١) كما روى عن ابن عباس أيضا أنه قال: «أتعجبون أن تكون الخلة لإبراهيم والكلام لموسى والرؤية لمحمد صلّى الله عليه وسلّم (٢).

(١) الطبري في تفسير سورة النجم.
(٢) الطبري في تفسير سورة النجم.


الصفحة التالية
Icon