ويبدو أن أصحاب هذا الرأي لم يحالفهم الصواب في الجمع بين القولين، فجعلوا الخلاف لفظيا لا حقيقيا، مع أن الخلاف على ما سيظهر لك جوهري، وهاك أقوال المجيزين والمانعين للتفسير بالرأي.
أدلة المجيزين للتفسير بالرأي:
١ - من القرآن: قوله تعالى: أَفَلا يَتَدَبَّرُونَ الْقُرْآنَ أَمْ عَلى قُلُوبٍ أَقْفالُها [محمد: ٢٤].
قالوا: إن تدبر القرآن يكون بفهمه ومعرفة تفسيره، وذلك عن طريق العقل والاجتهاد بالرأي، وقوله تعالى: وَلَوْ رَدُّوهُ إِلَى الرَّسُولِ وَإِلى أُولِي الْأَمْرِ مِنْهُمْ لَعَلِمَهُ الَّذِينَ يَسْتَنْبِطُونَهُ مِنْهُمْ [النساء: ٨٣]. يدل على أن أهل الاستنباط والاجتهاد هم الذين يعملون معاني القرآن، بما وهبهم الله من قوة الاستنباط.
٢ - أن القول بمنع التفسير بالرأي مساو للقول بمنع الاجتهاد وهذا القول مردود بداهة.
٣ - اختلاف الصحابة في الأقوال- طبعا في بعض الأحيان- يدل دلالة واضحة على جواز التفسير بالرأي، إذ لولا ذلك لاتفقت تفاسيرهم.
٤ - دعاء النبي صلّى الله عليه وسلّم لابن عباس أن يفقهه في الدين ويعلمه التأويل، فلو كان التأويل كل التأويل من التنزيل والسماع والنقل، لما كان لدعائه صلّى الله عليه وسلّم فائدة في تخصيصه بالدعاء.
أما أدلة المانعين فقد استدلوا:
أولا: من القرآن الكريم قوله تعالى: وَأَنْزَلْنا إِلَيْكَ الذِّكْرَ لِتُبَيِّنَ لِلنَّاسِ ما نُزِّلَ إِلَيْهِمْ [النحل: ٤٤].
قالوا: إن هذه الآية حصرت البيان والتفسير بالنبي صلّى الله عليه وسلّم فليس لأحد غيره أن يفسّر القرآن برأيه.
ثانيا: من السنة: ما رواه الترمذي عن ابن عباس عن النبي صلّى الله عليه وسلّم أنه قال: «من قال في القرآن برأيه فليتبوّأ مقعده من النار» (١) وما رواه الترمذي أيضا وأبو داود