عن جندب بن عبد الله أنه قال: قال رسول الله صلّى الله عليه وسلّم: «من قال في القرآن برأيه فأصاب فقد أخطأ» (١).
ثالثا: الآثار الواردة عن الصحابة والتابعين منها: قول أبي بكر الصديق رضي الله عنه: «أيّ سماء تظلني، وأيّ أرض تقلني، إذا قلت في حرف من كتاب الله بغير ما أراد الله تعالى؟».
ومن التابعين قول الشعبي: «ثلاث لا أقول فيهن حتى أموت: القرآن، والروح، والرأي». وكان سعيد بن المسيب كبير التابعين إذ سئل عن الحرام والحلال تكلم، وإذا سئل عن تفسير آية من آيات القرآن سكت كأن لم يسمع شيئا.
وجملة القول عند المانعين، أن التفسير بالرأي قول على الله بغير علم، وهو إثم وحرام لا يجوز ارتكابه.
وقد ردّ المجيزون على كل دليل استدلوا به، وهذا مجمل الرّد بإيجاز:
أما الدليل الأول وهو استدلالهم بالقرآن، فهو مردود، لأن الرسول صلّى الله عليه وسلّم وإن بيّن القرآن إلا أنه لم يبيّن جميع القرآن، بل بيّن ما هو بحاجة إلى بيان كما بيناه لك سابقا.
أما الحديثان، فالأول منهما: محمول على القول بالرأي فيما لا يعلم إلا عن طريق السمع، أو فيمن يفسر القرآن حسب هواه، ولأنه تفسير بغير ما أراد الله، كما ثبت في الأثر، أما الحديث الثاني المروي عن جندب: فإن من رواته سهيل بن أبي الحزم، وقد طعن فيه أئمة الحديث البخاري والنسائي وأبو حاتم الذي قال فيه: ليس بالقوي، وقد ضعفه ابن معين والإمام أحمد وقال: روى أحاديث منكرة (٢).
أما الدليل الثالث: فإن ما روي عن هؤلاء من إحجام عن التفسير بالرأي، مبناه الحذر والحيطة لا الحظر والحرمة.
وبعد: فإن المتأمل في أدلة الفريقين يرى بوضوح أن الخلاف بينهما ليس لفظيا بل هو كما قال الأقدمون: إن المذهبين فيهما غلو وتقصير، وهما على طرفي نقيض

(١) المرجع السابق ح (٢٩٥٢).
(٢) انظر تهذيب التهذيب ٤/ ٢٦١، وميزان الاعتدال ١/ ٤٣٢.


الصفحة التالية
Icon