كما قال الإمام المحقق الألوسي: «وأما التفسير بالرأي فالشائع المنع عنه». ثم بعد أن ساق أقوال المانعين قال: ولا دليل في ذلك. نعم إن عبارة المانعين للتفسير بالرأي صريحة في منع كل تفسير بالرأي، وهي ناصعة في جلاء لا يعتوره أدنى شائبة من غموض أو التواء، على أنه حتى لو بلغ صاحب الرأي ما بلغ من علم واجتهاد وسعة أدب، فليس له أن يفسر القرآن برأيه، وإنما عليه أن يقتصر على المأثور فحسب، فهل بعد هذا نقول: إن الخلاف بينهم لفظي؟ وإن مراد المجيزين للتفسير بالرأي إنما يريدون الرأي المحمود، وإن مراد المانعين للتفسير بالرأي إنما هو الرأي المذموم؟
كلا إن المانعين للتفسير بالرأي يمنعونه ولو صدر عن العلماء؛ وكل فريق يعزز رأيه ويرد على الآخر: فكيف يقال: إن المنع للرأي المذموم، والجواز للرأي المحمود؟
إن المانعين للرأي لا يقصدون الرأي المذموم فحسب، إذ إن هذا بدهي من البدهيات التي يسلم لهم بها المجيزون، وإنما يقصدون المنع من التفسير بالرأي على عمومه وشموله، محموده ومذمومه، صحيحه وسقيمه، فالقائل بالقرآن برأيه وإن أصاب فقد أخطأ، فالمصيب مخطئ، فما بالك بالمخطئ.
هل بعد هذه الصراحة صراحة في قصدهم الواضح، من تحريم التفسير بالرأي، بجميع أشكاله وألوانه.
لهذا كله، فإن الحق الذي نقول به: إن الخلاف حقيقي لا أثر فيه للفظية، لذا كان لزاما علينا أن نسلك طريق الترجيح الذي لا محيص عنه فنقول: إن أدلة المجيزين للتفسير بالرأي أقوى حجة، والواقع العملي الثابت عن سيرة الصحابة والتابعين يدل عليه، فإن الذين رويت عنهم الأخبار بالامتناع عن التفسير بالرأي، قد ثبت عنهم التفسير بالاجتهاد والتفسير بالرأي، وما اختلاف التفاسير وتنوعها، واختلاف التفاسير عن الصحابة والتابعين إلا دليل ناصع على أن مصدر هذا الخلاف إنما هو تباين الآراء النابع عن اجتهادهم.
وتبقى أدلة المنع محصورة فيما لا يجوز أن يفسر به القرآن بالرأي، في المجال الذي ليس له أن يقول فيه قولا إلّا نقلا أو سماعا، هذا ما نميل إليه، أما أن نجمع بين


الصفحة التالية
Icon