وخطباء أمته، لأن سورة واحدة وآيات يسيرة كانت أنقض لقوله، وأفسد لأمره، وأبلغ في تكذيبه، وأسرع في تفريق أتباعه، من بذل النفوس، والخروج من الأوطان،
وإنفاق الأموال.
وهذا من جليل التدبير الذي لا يخفى على من هو دون قريش والعرب، في الرأي والعقل بطبقات، ولهم القصيد العجيب، والرجز الفاخر، والخطب الطوال البليغة، والقصار الموجزة، ولهم الأسجاع، والمزدوج، واللفظ المنصور، ثم يتحدى به أقصاهم بعد أن ظهر عجز أدناهم، فمحال- أكرمك الله- أن يجتمع هؤلاء كلّهم على الغلط في الأمر الظاهر، وهم أشدّ الخلق أنفة، وأكثرهم مفاخرة، والكلام سيد عملهم، وقد احتاجوا إليه. والحاجة تبعث على الحيلة في الأمر الغامض، فكيف بالظاهر الجليل المنفعة!! وكما أنه محال أن يطيقوه ثلاثا وعشرين سنة على الغلط في الأمر الجليل المنفعة، فكذلك محال أن يتركوه وهم يعرفونه، ويجدون السبيل إليه، وهم يبذلون أكثر منه) (١).
الإعجاز العلمي:
لقد أوجد المسلمون هذا اللون المعاصر من ألوان التفسير تأكيدا لإعجاز القرآن، أو بابا جديدا من أبوابه، وتأكيدا على عدم معارضة القرآن والإسلام للعلم، حتى قام بعض المفسرين من أمثال طنطاوي جوهري بتفسير آيات الطبيعة في القرآن بحقائق العلم التجريبي ونظرياته، وذهب إلى حشو تفسيره الجواهر- بإجراء المطابقة بين كشوف الغرب العلمية وآيات القرآن الكريم- وتعسف كثيرا في إجراء هذه المطابقة في معظم الأحيان، ووصف كتابه قائلا: «بهذا الكتاب في التفسير وأمثاله سيستيقظ المسلمون سريعا، سيجيء جيل لم تشهد الأرض مثله... أيها المسلمون هذا هو علم التوحيد في الحقل والجبل والزرع والشجر والثمر والشمس والقمر، لا في الكتب المصنفة المشهورة، هي والله مبعدة عن حكمة الله، ومبعدة عن معرفة آياته» (٢).
(٢) تفسير الجواهر ١/ ٦٦ طبع بالقاهرة سنة ١٣٥٢.