هذا والحديث طويل ودقيق في هذا اللون من ألوان التفسير وبيان الإعجاز، ولكن لن ننهي الحديث قبل أن نلقي الضوء- بإيجاز شديد- على شروط التفسير العلمي:
١ - أقول أول هذه الشروط أن لا يفسّر القرآن إلا باليقينيات العلمية، أو بالحقائق الثابتة التي ارتقت مندرجة الفروض والنظريات العلمية إلى مقام اليقينيات أو «الفعل الواقع القائم» حسب عبارة موريس بوكاي، والذي لا يمكن أن يتطرق إليه التغيير والتبديل (١).
مثال تطبيقي على ما سبق:
قال تعالى: يُولِجُ اللَّيْلَ فِي النَّهارِ وَيُولِجُ النَّهارَ فِي اللَّيْلِ [لقمان: ٢٩].
وقال تعالى: يُكَوِّرُ اللَّيْلَ عَلَى النَّهارِ وَيُكَوِّرُ النَّهارَ عَلَى اللَّيْلِ [الزمر: ٥].
إن العلم الحديث يجعلنا ندرك بسهولة كيف يتداخل كلّ من الليل والنهار في حركة الأرض حول محورها وحول الشمس الثابتة نسبيا. وربط بهذا تعدد المشارق والمغارب (٢).
قال تعالى: فَلا أُقْسِمُ بِرَبِّ الْمَشارِقِ وَالْمَغارِبِ إِنَّا لَقادِرُونَ [المعارج: ٤٠].
فلا خلاف على جواز تفسير هذه الآيات بما يدل على كروية الأرض، والتي تمثل حقيقة علمية واقعة.. إلخ.
٢ - إن حقائق العلم لا تفسير بها المعجزات والأمور الخارقة للعادة التي نصّت عليها الآيات الكريمة نظرا لافتراق «موضوع» هذه الآيات عن آيات الكون والطبيعة وأطوار الخلق، وسائر الآيات التي يمكن الانتفاع بحقائق العلم وثوابته في تفسيرها وشرح معانيها، بل نقول أبعد من ذلك: إن الآيات القرآنية التي تحدثت عن المعجزات والخوارق لا يمكن إقحامها من باب العلم التجريبي أصلا، لأنها إنما ثبتت بمقدار مخالفة السنن والقوانين، فكيف يتأتى تفسيرها من خلال هذه السنن والقوانين.
(٢) دراسة الكتب المقدسة ص ١٤٥.