وجوه فاسدة في إعجاز القرآن (القول بالصّرفة)
بعد أن بيّنا وجه الإعجاز الذي تحدّى الله به البشر، نذكر وجها من الوجوه الفاسدة، بل هو من أفسد الأقوال، وهو القول بالصّرفة، والمنسوب إلى أبي إسحاق النّظّام من المعتزلة، والإمام المرتضى من الشيعة، ثم إلى أبي إسحاق الإسفرائيني من أهل السنة، وخلاصة هذا القول أن وجه الإعجاز في القرآن هو الصرفة، أي: أن الله صرف قلوب العرب عن معارضة القرآن فزهّدهم في معارضته، فلم تتعلق إرادتهم ولم تنبعث إليها عزائمهم، فكسلوا وقعدوا رغم توافر البواعث والدواعي.
بل زعموا أن عارضا مفاجئا عطّل مواهبهم البيانية وعاق قدرتهم البلاغية.
لم يظهر هذا القول إلّا في القرن الثالث الهجري، وكان النّظّام هو أول القائلين به، ولعله استمد مقولته من الفلسفة الهندية عند البرهمية في كتابهم الفيدا، إذ يعتقدون أن ما ورد فيه لا يستطيع أحد من البشر أن يأتي بمثله، لأن براهما صرفهم عن أن يأتوا بمثله، ولكن خاصتهم يقولون: إن في مقدرتهم أن يأتوا بمثله، ولكنهم ممنوعون من ذلك احتراما له.
هذا القول ظاهر العوار لكل ذي عينين، لذا وجدنا الأمة بقضّها وقضيضها، بفرقها ومذاهبها، مجمعة على خلاف هذا، فالمعتزلة وعلى رأسهم الزمخشري قد أبطل مثل هذا القول، والطبرسي الشيعي قد فنّده، وأهل السنة كذلك، فهو مذهب باطل، وإن قال به آحاد من المعتزلة والشيعة وأهل السنة، وقد جوبه بالرفض، ذلك أن تحدّي القرآن وإثبات العجز للناس ليس مقتصرا على عهد النبوة فقط، بل إن هذا التحدّي قائم، وهذا العجز من البشر ثابت إلى قيام الساعة. فمن قال بالصرفة فليحاول هو، وهل يحسّ بشيء من الصرف أو السلب في نفسه؟
إن استعظام العرب لفصاحة القرآن وبلاغته وتعجبهم من ذلك لهو دليل على بطلان الصرفة، فلو كانوا مصروفين عن المعارضة بنوع من الصرف، لكان تعجبهم