ذهب قتادة إلى أن الوحي إلى أم موسى كان بالإلهام الفطري، وممن أيّد ذلك الراغب الأصفهاني، وقد نحا نحوه الحافظ ابن كثير والإمام البيضاوي وغيرهم، كما سار
على هذا النهج من بعد طائفة من الكاتبين في علوم القرآن من أهل هذا العصر، منهم الدكتور صبحي الصالح رحمه الله والدكتور عدنان زرزور والدكتور القصبي زلط حين قال ثلاثتهم: إن الوحي إلى أم موسى هو الإلهام الفطري وهو إلى النحل الإلهام الغريزي، ثم قلدهم كثير..
وذهب آخرون- قدماء ومحدثون- منهم الأستاذ الدكتور إبراهيم خليفة إلى أن الوحي هنا بمعناه الشرعي، وناقش وردّ على القائلين بأن الوحي هنا بمعناه اللغوي، وهو الإلهام الفطري، فقال:
إن هذا الرأي غير صحيح، وإلا فمن أين لفطرة كائن من كان اعتقاد جازم بأن فلانا سيكون من المرسلين، حتى يتصور ارتكاز مثل هذا الاعتقاد في فطرة أم موسى بالنسبة لولدها عليه السلام حسبما نطقت به الآية الكريمة من سورة القصص: وَلا تَخافِي وَلا تَحْزَنِي إِنَّا رَادُّوهُ إِلَيْكِ وَجاعِلُوهُ مِنَ الْمُرْسَلِينَ [القصص: ٧].
هكذا وعلى هذا النحو المؤكد بإن واسمية الجملة إِنَّا رَادُّوهُ إِلَيْكِ وَجاعِلُوهُ مِنَ الْمُرْسَلِينَ [القصص: ٧] هذه واحدة.
وثانية لا تدنو عن أختها دلالة، وهي تعبيره تعالى عن هاتين البشارتين بالوعد في قوله الكريم: فَرَدَدْناهُ إِلى أُمِّهِ كَيْ تَقَرَّ عَيْنُها وَلا تَحْزَنَ وَلِتَعْلَمَ أَنَّ وَعْدَ اللَّهِ حَقٌّ وَلكِنَّ أَكْثَرَهُمْ لا يَعْلَمُونَ [القصص: ١٣].
فمن أين يصلح أن يقال لمجرد الإلهام، أو حتى لرؤيا منام رآها غير نبيّ كأمّ موسى، مهما تكن درجة رائيها من الصلاح والورع، من أين يصلح أن يقال لشيء من هذا أو ذاك: (وعد).
فمن ثمّ استظهر كل من أبي حيان والألوسي (١) أن يكون الوحي إلى أم موسى عليه السلام، هو من طريق ملك أرسله الله إليها.

(١) انظر تفسير البحر المحيط ج ٧ ص ١٠٥، وروح المعاني للآلوسي ص ٤٥.


الصفحة التالية
Icon