غير تكييف ولا تمثيل. وقد ورد في الحديث الصحيح الذي رواه الشيخان عن أبي هريرة رضي الله عنه أن رسول الله صلّى الله عليه وسلّم قال: «ينزل ربّنا تبارك وتعالى كلّ ليلة إلى السماء الدنيا حين يبقى ثلث الليل الآخر، يقول: من يدعوني فأستجيب له؟ من يسألني فأعطيه؟ من يستغفرني فأغفر له؟» (١). قال الإمام النووي: هذا الحديث من أحاديث الصفات، وفيه مذهبان مشهوران للعلماء.. ومختصرهما أن أحدهما وهو مذهب جمهور السلف وبعض المتكلمين أنه يؤمن بأنها حقّ على ما يليق بالله تعالى، وأن ظاهرها المتعارف في حقنا غير مراد، ولا يتكلم في تأويلها مع اعتقاد تنزيه الله تعالى عن صفات المخلوق (٢). وقال سماحة الشيخ ابن باز في تعليقه على شرح ابن حجر لصحيح البخاري: «.. والصواب ما قاله السلف الصالح من الإيمان بالنزول وإمرار النصوص كما وردت من إثبات النزول لله سبحانه على الوجه الذي يليق به من غير تكييف ولا تمثيل كسائر صفاته» (٣).
كيفية نزول القرآن وحكمة تنجيمه:
نزل الوحي بالقرآن الكريم على رسوله صلّى الله عليه وسلّم بعضه في أثر بعض، وأرسل على مواقع النجوم رسلا في الشهور والأعوام- كما يقول ابن عباس- وقد تتابع نزول القرآن ثلاثة وعشرين عاما تقريبا، منها ثلاثة عشرة سنة في مكة، وعشر سنوات في المدينة، وكان نزوله مفرقا كما نطق بذلك القرآن الكريم، في أكثر من سورة وآية.
ففي سورة الإسراء: وَقُرْآناً فَرَقْناهُ لِتَقْرَأَهُ عَلَى النَّاسِ عَلى مُكْثٍ وَنَزَّلْناهُ تَنْزِيلًا [الإسراء: ١٠٦]، وغيرها من الآيات.
١ - ولا شك أن في نزول القرآن منجما تثبيتا لقلبه صلّى الله عليه وسلّم فتبقى الغبطة تشرح صدره، ويزداد سروره، كلما تجدد لقاؤه بالوحي الإلهي، وهذا واضح وجلي من
(٢) صحيح مسلم بشرح النووي ٦/ ٣٦.
(٣) فتح الباري ٣/ ٢٩ حاشية.