فإنه رضي الله عنه وعلى الرغم من نهيه الصريح هذا، قد ثبت عنه الأخذ عن بني إسرائيل، إما من منطلق الأمان على نفسه ما لم يأمنه على غيره، وإما ثقة منه أن ما أخذه عنهم مما لا يخفى حاله على من تدبر أمره، وإما رؤية منه أن ما أخذه عنهم لا يتنافى مع شيء مما جاء في الكتاب والسنة، سواء أخطأ في هذه الرؤية أم أصاب، ودليلنا على أنه رضي الله عنه قد ثبت عنه الأخذ من الإسرائيليات أمور:
أحدها: ما ذكره غير واحد من الحفاظ عند ترجمتهم لكعب الأحبار الذي هو أحد رءوس المصادر الإسرائيلية من كون ابن عباس رضي الله عنهما هو أحد الرواة عنه، وانظر في تحقيق ذلك على سبيل المثال لا الحصر «تهذيب التهذيب» للحافظ ابن حجر ج ٨ ص ٤٣٨ وخلاصة تذهيب تهذيب الكمال في أسماء الرجال للحافظ صفي الدين الخزرجي ص ٣٢١.
وثاني هذه الأمور التي يتشكل منها دليلنا على ما نقول في هذه القضية المهمة:
روايات قد ثبتت عن ابن عباس رضي الله عنهما بالفعل، لا يشك منصف في أنها من الإسرائيليات، ولا نقول إنها من صنف الإسرائيليات الموافقة للكتاب والسنة، ولا حتى من جنس ما لا تعرف له موافقة ولا مخالفة، بل هي من جنس الإسرائيليات الباطلة المنافرة للعقل وصريح النقل، ونكتفي هاهنا بإيراد مثالين- نستميح قارئنا الكريم العذر في تسويد الصفحات بغثاء ما جاء فيها من الرواية عنه رضي الله عنه.
وأول هذه المواضع، ما جاء من روايته في شأن شيطان سليمان الذي أخذ خاتمه من إحدى أزواجه، وتملك على ملكه وأقام حيث كان يقيم سليمان، حتى من نسائه عليه السلام، حسبما تفتري هذه الرواية، ولعله يجدر بنا الآن أن نكلك في سوق الرواية والتعقيب عليها إلى قلم الحافظ ابن كثير عليه الرحمة إذ يقول فيما يقول بعد أن ساق قصة ذلك عن غير واحد من التابعين في تفسير القول الكريم من سورة ص وَلَقَدْ فَتَنَّا سُلَيْمانَ وَأَلْقَيْنا عَلى كُرْسِيِّهِ جَسَداً ثُمَّ أَنابَ [ص: ٣٤].
وهذه كلها من الإسرائيليات، ومن أنكرها ما روي عن ابن عباس رضي الله عنهما في قوله تعالى: وَلَقَدْ فَتَنَّا سُلَيْمانَ وَأَلْقَيْنا عَلى كُرْسِيِّهِ جَسَداً ثُمَّ أَنابَ [ص: ٣٤] قال أراد سليمان عليه الصلاة والسلام أن يدخل الخلاء، فأعطى الجرادة خاتمه، وكانت


الصفحة التالية
Icon