وقعا فيه من الخطيئة، أرادا أن يصعدا إلى السماء فلم يستطيعا، وحيل بينهما وبين ذلك، وكشف الغطاء فيما بينهما وبين أهل السماء، فنظرت الملائكة إلى ما وقعا فيه، فعجبوا كل العجب، وعرفوا أنه من كان في غيب فهو أقل خشية، فجعلوا بعد ذلك يستغفرون لمن في الأرض فنزل في ذلك وَالْمَلائِكَةُ يُسَبِّحُونَ بِحَمْدِ رَبِّهِمْ وَيَسْتَغْفِرُونَ لِمَنْ فِي الْأَرْضِ [الشورى: ٥] فقيل لهما: اختارا عذاب الدنيا أو عذاب الآخرة، فقالا: أما عذاب الدنيا فإنه ينقطع ويذهب، وأما عذاب الآخرة فلا انقطاع له، فاختارا عذاب الدنيا، فجعلا ببابل فهما يعذبان، وقد رواه الحاكم في مستدركه مطولا، ثم قال: صحيح الإسناد لم يخرجاه (١).
إن هذه الروايات قد ثبتت عن ابن عباس كما قال ابن كثير، وهي تدل على أخذه بالإسرائيليات كما بينا، لذا ترد هذه الرواية- نزول القرآن إلى السماء الدنيا دفعة
واحدة- ولا تعطى حكم المرفوع إلى النبي صلّى الله عليه وسلّم لأن من شروطه أن يكون مما لا مجال للرأي فيه، وأن يكون الصحابي ممن لم يأخذ بالإسرائيليات فيما له صلة بالرواية فقط، فإن لم يكن للإسرائيليات صلة فتقبل الرواية.
وبهذا يكون القول الراجح في كيفية نزول القرآن: أن القرآن الكريم قد ابتدأ إنزاله في ليلة القدر ثم نزل بعد ذلك منجما على مدار السنوات على رسول الله صلّى الله عليه وسلّم والله أعلم.

(١) المستدرك على الصحيحين في الحديث للحاكم النيسابوري ٢/ ٤٤٢.


الصفحة التالية
Icon