المبحث الأول أول وآخر ما نزل من القرآن
ليس من غرضنا في هذا البحث بيان أول ما نزل وآخر ما نزل في موضوعات معينة، إذ إن هذا يحتاج إلى جهد عظيم، بل إلى تكاتف الجهود في إخراج مثل هذه الدراسة الجديرة بكل عناية ورعاية، وقد حاول الشيخ محمد عزة دروزة في كتابه التفسير الحديث الذي جعل محوره العناية بالتتبع التاريخي لنزول القرآن ولكنه إذ قارب من ترتيب السور نزولا إلا أن متابعة الآيات حسب نزولها التاريخي ما زال بينه وبين ذلك بون شاسع.
إن مدار البحث في معرفة أول ما نزل وآخر ما نزل إنما هو البحث عن الرواية والنقل، ولا مجال للعقل فيه إلا بمقدار الجمع أو الترجيح عند اختلاف النقل.
أولا: أول ما نزل من القرآن إطلاقا:
١ - أصح الأقوال وأقواها أن أول ما نزل هو الآيات الخمس في صدر سورة العلق، كما روى ذلك الإمام البخاري ومسلم عن عائشة- رضي الله عنها- قالت (١): أول ما بدئ به رسول الله صلّى الله عليه وسلّم من الوحي الرؤيا الصادقة في النوم، فكان لا يرى رؤيا إلا جاءت مثل فلق الصبح، ثم حبب إليه الخلاء. فكان يأتي حراء فيتحنث (٢) فيه الليالي ذوات العدد ويتزود لذلك، ثم يرجع إلى خديجة رضي الله عنها فتزوده لمثلها، حتى جاءه الحق، وهو في غار حراء، فجاءه الملك فيه، فقال: اقرأ، قال رسول الله صلّى الله عليه وسلّم: «فقلت: ما أنا بقارئ فأخذني فغطني (٣). حتّى بلغ مني الجهد، ثم
(٢) يتحنث: يتعبد.
(٣) ضمني وعصرني.