ثم قال في تفسيره سورة اقرأ، ورواية الزهري عن أبي سلمة عن جابر تدل على أن المراد بالأولية في قوله أول ما نزل سورة المدثر، أولية مخصوصة بما بعد فترة الوحي.
٣ - وأما ثالث الأقوال في المسألة فيقول السيوطي رحمه الله في الإتقان: (القول الثالث: سورة الفاتحة، قال في الكشاف: ذهب ابن عباس ومجاهد إلى أن أول سورة نزلت «اقرأ» وأكثر المفسرين إلى أن أول سورة نزلت فاتحة الكتاب.
قال ابن حجر: والذي ذهب إليه أكثر الأئمة هو الأول.
وأما الذي نسبه الزمخشري إلى الأكثر فلم يقل به إلا أقل القليل بالنسبة إلى من قال بالأول.
حجة هذا القول ما أخرجه البيهقي في الدلائل والواحدي من طريق يونس بن بكير، عن يونس بن عمرو، عن أبيه، عن أبي ميسرة عمرو بن شرحبيل، أن رسول الله صلّى الله عليه وسلّم قال لخديجة: «إني إذا خلوت وحدي سمعت نداء، والله خشيت أن يكون هذا أمرا»، فقالت: معاذ الله، ما كان الله ليفعل بك، فو الله إنك لتؤدي الأمانة، وتصل الرحم، وتصدق الحديث. فلما دخل أبو بكر ذكرت خديجة حديثه له، وقالت:
اذهب مع محمد إلى ورقة، فانطلقا فقصا عليه، فقال: «إذا خلوت وحدي سمعت نداء خلفي: يا محمد يا محمد. فأنطلق هاربا في الأفق»، فقال: لا تفعل، إذا أتاك فاثبت حتى تسمع ما يقول، ثم ائتني فأخبرني، فلما خلا ناداه: يا محمد قل:
بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمنِ الرَّحِيمِ ١ الْحَمْدُ لِلَّهِ رَبِّ الْعالَمِينَ حتى بلغ وَلَا الضَّالِّينَ.. الحديث، هذا مرسل رجاله ثقات.
قال البيهقي: إن كان محفوظا فيحتمل أن يكون خبرا عن نزولها بعد ما نزلت عليه اقرأ والمدثر (١).
أما الحافظ ابن كثير رحمه الله فقد ساق الحديث في كتابه (البداية والنهاية) من رواية البيهقي وأبي نعيم في دلائلهما عن عمرو بن شرحبيل ثم قال: (هذا لفظ البيهقي وهو مرسل وفيه غرابة وهو كون الفاتحة أول ما نزل) (٢).
(٢) ج ٣. ص ٩ فما بعدها.