ثانيا: آخر ما نزل من القرآن إطلاقا:
لم يرد في آخر ما نزل حديث مرفوع عن النبي صلّى الله عليه وسلّم بل وردت آثار صحيحة عن الصحابة- رضوان الله عليهم-، ونرى أن الجدير من هذه الأقوال ثلاثة وما عدا ذلك فبعيد عن الاعتبار:
أما القول الأول: فرواه البخاري (١) عن ابن عباس- رضي الله عنهما- قال:
(آخر آية نزلت على النبي صلّى الله عليه وسلّم آية الربا) والمراد بها قوله تعالى: يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ وَذَرُوا ما بَقِيَ مِنَ الرِّبا [البقرة: ٢٧٨].
وروى الإمام أحمد والنسائي والبيهقي عن عمر (أن من آخر ما نزل آية الربا.. )
وهناك زيادة في الرواية أن النبي صلّى الله عليه وسلّم مات ولم يبين لنا آية الربا إشارة إلى قرب وفاته.
أما القول الثاني: فما أخرجه النسائي وابن مردويه وابن جرير من طرق مختلفة عن ابن عباس: آخر آية نزلت: وَاتَّقُوا يَوْماً تُرْجَعُونَ فِيهِ إِلَى اللَّهِ ثُمَّ تُوَفَّى كُلُّ نَفْسٍ ما كَسَبَتْ وَهُمْ لا يُظْلَمُونَ [البقرة: ٢٨١].
أما القول الثالث: فما أخرجه ابن جرير عن سعيد بن المسيب أنه بلغه أن آخر آية نزلت آية الدين: يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِذا تَدايَنْتُمْ بِدَيْنٍ إِلى أَجَلٍ مُسَمًّى فَاكْتُبُوهُ [البقرة: ٢٨٢].
موقف العلماء من هذه الأقوال:
يقول أستاذنا الشيخ عبد الوهاب غزلان: هذه الروايات الواردة في آخر ما نزل وهي متعارضة. ومن المعلوم أنه إذا تعارضت الروايات في أمر من الأمور فإما أن يرجح بعضها على بعض، وإما أن يجمع بينهما إن أمكن الجمع بلا تكلّف (٢).
أما الترجيح فيقتضي القول بترجيح ما رواه البخاري في صحيحه أن آية الربا هي آخر ما نزل.
(٢) البيان، ص ٨٣.