كما تظهر جهوده النحوية وآراؤه الشخصية فى قضايا الإعراب بجواز أقوال رجال هذه المدارس، ومن أمثلة ذلك، ما ذكره ابن عاشور فى تفسير الآية التالية: غَيْرِ الْمَغْضُوبِ عَلَيْهِمْ وَلَا الضَّالِّينَ (سورة الفاتحة: الآية ٧).
«كلمة" غير" مجرورة باتفاق القراء العشرة، وهى صفة" للذين أنعمت عليهم" أو بدل منه، والوصف والبدلية سواء فى المقصود، وإنما قدم فى الكشاف بيان وجه البدلية لاختصار الكلام عليها ليفضى إلى الكلام على الوصفية، فيورد عليها كيفية صحة توصيف المعرفة بكلمة" غير" التى لا تتصرف، وإلا فإن جعل غير المغضوب صفة للذين هو الوجه، وكذلك أعربه سيبويه فيما نقل عنه أبو حيان، ووجهه بأن البدل بالوصف ضعيف، إذ الشأن أن البدل هو عين المبدل منه، أى اسم ذات له، يريد أن معنى التوصيف فى- غير- أغلب من معنى ذات أخرى ليست السابقة، وهو وقوف عند حدود العبارات الاصطلاحية، حتى احتاج صاحب الكشاف إلى تأويل- غير المغضوب- بالذين سلموا من الغضب، وأنا لا أظن الزمخشرى أراد تأويل غير، بل أراد بيان المعنى» (١).
وابن عاشور فيما ذكره هنا عن الزمخشرى صاحب الكشاف" مدرسة بغداد" فى تقديمه بيان وجه البدلية، وإيراده صحة توصيف المعرفة بكلمة" غير" التى لا تتعرف، وفيما نقله أبو حيان" مدرسة الأندلس" عن سيبويه" مدرسة البصرة" وما أراده الزمخشرى من بيان معنى" غير" لا تأويلها، لم يكن ناقلا فحسب، وإنما تظهر فعاليته ودرايته التامة بهذا الفن، وقد ذهب يذكر وجوه أخرى ل" غير" من مدارس نحوية مختلفة... قال بعد الفقرة السابقة:

- آراء المدرسة البصرية تارة، وتصويب المدرسة الكوفية تارة ثانية، مع تركهما تارة ثالثة والأخذ بآراء المدرسة البغدادية، ومع النفوذ إلى آراء اجتهادية تارة أخرى». المدارس النحوية، ص ٣٧١.
(١) التحرير والتنوير، ج ١، ص ٩٥.


الصفحة التالية
Icon