«فالتوصيف إما باعتبار كون الذين أنعمت عليهم ليس مرادا به فريق معين، فكان وزان تعريفه بالصلة وزان المعرف بأل الجنسية المسماة عند علماء المعانى بلام العهد الذهنى، فكان فى المعنى كالنكرة، وإن كان لفظه لفظ المعرفة لإضافته لمعرفة وهو فى المعنى كالنكرة لعدم إرادة شىء معين، وإما باعتبار تعريف غير فى مثل هذا لأن غير إذا أريد بها نفى ضد الموصوف أى مساوى نقيضه صارت معرفة، لأن الشيء يتعرف بنفى ضده نحو عليك بالحركة غير السكون، فلما كان من أنعم عليه لا يعاقب كان المعاقب هو المغضوب عليه، هكذا نقل ابن هشام عن ابن السراج والسيرافى وهو الذى اختاره ابن الحاجب فى أماليه على قوله تعالى: غَيْرُ أُولِي الضَّرَرِ (١)، ونقل عن سيبويه أن غيرا إنما لم تتعرف لأنها بمعنى المغاير فهى كاسم الفاعل وألحق بها مثلا وسوى وحسب وقال إنها تتعرف إذا قصد بإضافتها الثبوت. وكأن مآل المذهبين واحد لأن غيرا إذا أضيفت إلى ضد موصوفها وهو ضد واحد أى إلى مساوى نقيضه تعينت له الغيرية فصارت صفة ثابتة له غير منتقلة، إذ غيرية الشيء لنقيضه ثابتة له أبدا فقولك عليك بالحركة غير السكون هو غير قولك مررت بزيد غير عمرو وقوله غَيْرِ الْمَغْضُوبِ عَلَيْهِمْ من النوع الأول».
وقد ذكر ما نقله ابن هشام (المدرسة المصرية) عن ابن السراج السيرافى (المدرسة البصرية) وما اختاره ابن الحاجب (المدرسة المصرية) فى أماليه، كما ذكر ابن عاشور ما نقل عن سيبويه، وبعد استعراضه لوجوه الخلاف بين هؤلاء فى (غير) ينتهى إلى (وكأن مآل المذهبين واحد) وتعليله فى ذلك أن (غير) إذا أضيفت إلى ضد موصوفها، أى ضد واحد يتساوى فى

(١) سورة النساء: الآية ٩٥.


الصفحة التالية
Icon