ويقول عن لهجات العرب ولسان قريش ومن حولها من القبائل، ومجىء القرآن بأصفى اللهجات العربية، وصراحة كلماته، ومناسبة كل كلمة لموقعها فى السياق والدلالة الذاتية الكامنة فيها بحيث لا تقوم مقامها كلمة أخرى.
«وأما ما يعرض للهجات العرب فذلك شىء تفاوتت فى مضماره جياد ألسنتهم، وكان المجلى فيها لسان قريش ومن حولها من القبائل المذكورة فى المقدمة السادسة، وهو مما فسر به حديث: أنزل القرآن على سبعة أحرف، ولذلك جاء القرآن بأحسن اللهجات وأخفها وتجنب المكروه من اللهجات، وهذا من أسباب تيسير تلقى الأسماع له ورسوخه فيها. قال تعالى: وَلَقَدْ يَسَّرْنَا الْقُرْآنَ لِلذِّكْرِ فَهَلْ مِنْ مُدَّكِرٍ (١).
ومما أعده فى هذه الناحية صراحة كلماته باستعمال أقرب الكلمات فى لغة العرب دلالة على المعانى المقصودة، وأشملها لمعان عديدة مقصودة بحيث لا يوجد فى كلمات القرآن كلمة تقصر دلالتها عن جميع المقصود منها فى حالة تركيبها، ولا تجدها مستعملة: لا فى حقائقها مثل إيثار كلمة" حرد" فى قوله تعالى: وَغَدَوْا عَلى حَرْدٍ قادِرِينَ (٢)، إذ كان جميع معانى الحرد صالحة للإرادة فى ذلك الغرض، أو مجازات أو استعارات أو نحوها مما تنصب عليه القرائن فى الكلام، فإن اقتضى الحال تصرفا فى معنى اللفظ كان التصرف بطريق التضمين وهو كثير فى القرآن مثل قوله تعالى: وَلَقَدْ أَتَوْا عَلَى الْقَرْيَةِ الَّتِي

(١) سورة القمر: الآية ١٧.
(٢) سورة القلم: الآية ٢٥.


الصفحة التالية
Icon