أُمْطِرَتْ مَطَرَ السَّوْءِ (١) فجاء فعل" أتوا" مضمنا معنى مرّوا فعدى بحرف على؛ لأن الإتيان تعدى إلى اسم القرية والمقصود فيه الاعتبار بمآل أهلها، فإنه يقال أتى أرض بنى فلان، ومر على حى كذا، وهذه الوجوه كلها لا تخالف أساليب الكلام البليغ، بل هى معدودة فى دقائقه ونفائسه التى تقل نظائرها فى كلام بلغائهم لعجز فطنة الأذهان البشرية عن الوفاء بجميعها (٢).
وعن نظم القرآن وجمعه بين الموعظة والتشريع (٣) على خلاف ما جاء من أساليب العرب... يقول:
«نرى من أعظم الأساليب التى خالف بها القرآن أساليب العرب أنه جاء فى نظمه بأسلوب جامع بين مقصديه وهما: مقصد الموعظة. ومقصد التشريع، فكان نظمه يمنح بظاهرة السامعين ما يحتاجون أن يعلموه وهو فى هذا النوع يشبه خطبهم، وكان فى مطاوى معانيه ما يستخرج منه العالم الخبير أحكاما كثيرة فى التشريع والآداب وغيرها، وقد قال فى الكلام على بعضه وَما يَعْلَمُ تَأْوِيلَهُ إِلَّا اللَّهُ وَالرَّاسِخُونَ فِي الْعِلْمِ (٤)، هذا من حيث ما لمعانيه من العموم والإيماء إلى الحلل والمقاصد وغيرها» (٥).

(١) سورة الفرقان: الآية ٤٠.
(٢) التحرير والتنوير، ج ١، ص ١١٣.
(٣) ذكر الزمخشرى فى تفسير قوله تعالى: الرَّحْمنُ* عَلَّمَ الْقُرْآنَ الرحمن: ١، ٢.
«عدّد الله عز وعلا آلاءه فأراد أن يقدم أول شىء ما هو أسبق قدما من ضروب آلائه وأصناف نعمائه وهى نعمة الدين، فقدم من نعمة الدين ما هو فى أعلى مراتبها وأقصى مراقبها، وهو إنعامه بالقرآن وتنزيله وتعليمه لأنه أعظم وحى الله رتبة وأعلاه منزلة، وأحسنه فى أبواب الدين أثرا، وهو سنام الكتب السماوية ومصداقها العيار عليها». تفسير الزمخشرى، ج ٤، ص ٤٣.
(٤) سورة آل عمران: الآية ٧.
(٥) التحرير والتنوير، ج ١، ص ١١٦.


الصفحة التالية
Icon