وعن ألفاظ القرآن وائتلافها، ونظام فواصله الذى لم يعرفه العرب قبل نزوله، وتميزه عن فنون القول السابقة له، وانتشاره بين القبائل لخفته على الأسماع والقلوب والألسن وتأثيره الروحانى... يقول:
«وكان لفصاحة ألفاظه وتناسبها فى تراكيبه وترتيبه على ابتكار أسلوب الفواصل العجيبة المتماثلة فى الأسماع، وإن لم تكن متماثلة الحروف فى الأسجاع، كان لذلك سريع العلوق بالحوافظ خفيف الانتقال والسير فى القبائل، مع كون مادته ولحمته هى الحقيقة دون المبالغات الكاذبة والمفاخرات المزعومة، فكان بذلك له صولة الحق وروعة لسامعيه، وذلك تأثير روحانى وليس بلفظى ولا معنوى.
وقد رأيت المحسنات فى البديع جاءت فى القرآن أكثر مما جاءت فى شعر العرب، وخاصة الجناس كقوله: وَهُمْ يَحْسَبُونَ أَنَّهُمْ يُحْسِنُونَ صُنْعاً (١)، والطباق كقوله: كُتِبَ عَلَيْهِ أَنَّهُ مَنْ تَوَلَّاهُ فَأَنَّهُ يُضِلُّهُ وَيَهْدِيهِ إِلى عَذابِ السَّعِيرِ (٢)، وقد ألف ابن أبى الإصبع كتابا فى بديع القرآن. وصار- لمجيئته نثرا- أدبا جديدا غضا ومتناولا لكل الطبقات، وكان لبلاغته وتناسقه نافذ الوصول إلى القلوب حتى وصفوه بالسحر وبالشعر أَمْ يَقُولُونَ شاعِرٌ نَتَرَبَّصُ بِهِ رَيْبَ الْمَنُونِ (٣).

(١) سورة الكهف: الآية ١٠٤.
(٢) سورة الحج: الآية ٤.
(٣) سورة الطور: الآية ٣٠.
وانظر التحرير والتنوير، ج ١، ص ١١٩.
وانظر د. صبحى الصالح، مباحث فى علوم القرآن، ص ٣٤٠.


الصفحة التالية
Icon