الجرجانى والزمخشرى، وكان للأخير نصيبا وافرا، يتعقب ابن عاشور أقواله، إن وافقه حينا فهو يعارضه فى أحايين كثيرة كأنه ينتظر منه الذلة الواحدة ليفتح عليه بابا من النقد الشديد والسخرية الخاطفة.
ومما ذكره من أقوال عبد القاهر ما جاء فى تفسير قوله تعالى: قالُوا سُبْحانَكَ لا عِلْمَ لَنا إِلَّا ما عَلَّمْتَنا إِنَّكَ أَنْتَ الْعَلِيمُ الْحَكِيمُ (سورة البقرة: الآية ٣٢).
«قال الشيخ فى دلائل الإعجاز ومن شأن إن إذا جاءت على هذا الوجه (أى أن نفع إثر كلام وتكون لمجرد اهتمام) أن تفنى غناء الفاء العاطفة (مثلا) وأن تفيد من ربط الجملة بما قبلها أمرا عجيبا، فأنت ترى الكلام بها مقطوعا موصولا وأنشد قول بشار:

بكرا صاحبى قبل الهجير إن ذاك النجاح فى التبكير
وقول بعض العرب:
فغنها وهى لك الفداء إن غناء الإبل الحداء
فإنهما استغنيا بذكر إن عن الفاء، وإن خلفا الأحمر لما سأل بشارا لماذا لم يقل" بكرا فالنجاح فى التكبير" أجابه بشار بأنه أتى بها عربية بدوية ولو قال" فالنجاح" لصارت من كلام المولدين (أى أجابه جوابا أحاله فيه على الذوق) وقد بين الشيخ عبد القاهر سببه، وقال الشيخ فى موضوع آخر ألا ترى أن الفرض من قوله" إن ذاك النجاح فى التكبير" أن يبين المعنى فى قوله لصاحبيه" بكرا" وأن يحتج لنفسه فى الأمر بالتكبير ويبين وجه الفائدة منه أه»
(١).
ومفاد هذا الكلام الذى ذكره عبد القاهر أن" إن" إذا جاءت كذلك
(١) التحرير والتنوير، ج ١، ص ٤١٤.


الصفحة التالية
Icon