" إنك أنت العليم الحكيم" وهى واقعة إثر كلام سابق فإنها تغنى- على سبيل المثال- عن الفاء العاطفة، ومجيئها على هذا النحو بعد أمرا عجيبا حيث يكون الكلام بها مقطوعا" وموصولا فى آن واحد، وعلى ذلك جاء قول بشار السابق، وإجابته لخلف الأحمر توضيح وجه الذرة فى هذا الاستعمال العربى الخالص، وما ذكره عبد القاهر فى آخر الفقرة يقاس عليه قوله تعالى حكاية عن الملائكة" إِنَّكَ أَنْتَ الْعَلِيمُ الْحَكِيمُ" فبيان وجه الفائدة من قولهم هذا على هذه الشاكلة هو إقرار بأن علمهم مما علّمهم الله ولا علم لهم سواه.
ومما عارضه من أقوال البلاغيين ما ذكره فى تفسير قوله تعالى: وَلا يَحِيقُ الْمَكْرُ السَّيِّئُ إِلَّا بِأَهْلِهِ (سورة فاطر الآية ٤٣).
«واعلم أن قوله تعالى: وَلا يَحِيقُ الْمَكْرُ السَّيِّئُ إِلَّا بِأَهْلِهِ قد جعل فى علم المعانى مثالا للكلام الجارى على أسلوب المساواة دون إيجاز ولا إطناب.
وأول من رأيته مثّل بهذه الآية للمساواة هو الخطيب القزوينى فى الإيضاح وفى تلخيص المفتاح، وهو مما زاده على ما فى المفتاح ولم يمثل صاحب المفتاح للمساواة بشيء، ولم أدر من أين أخذه القزوينى، فإن الشيخ عبد القاهر لم يذكر الإيجاز والإطناب فى كتابه.
وإذا قد صرّح صاحب المفتاح «إن المساواة هى متعارف الأوساط وأنه لا يحمد فى باب البلاغة ولا يذم»
فقد وجب القطع بأن المساواة لا تقع فى الكلام البليغ بله المعجز، ومن العجيب إقرار العلامة التفتازاني كلام صاحب تلخيص المفتاح وكيف يكون هذا من المساواة وفيه جملة ذات قصر والقصر من الإيجاز لأنه قائم مقام جملتين: جملة إثبات للمقصود، وجملة نفيه عما سواه،


الصفحة التالية
Icon