«ذكر" والْخُرْطُومِ" أريد به الأنف. والظاهر أن حقيقة الخرطوم الأنف المستطيل كأنف الفيل والخنزير ونحوهما من كل أنف مستطيل، وقد خلط أصحاب اللغة فى ذكر معانيه خلطا لم تتبين منه حقيقته من مجازه.
وذكر الزمخشرى فى الأساس معانيه المجازية ولم يذكر معناه الحقيقى، وانبهم كلامه فى الكشاف إلا أن قوله فيه: وفى لفظ الخرطوم استخفاف وإهانة، تقتضى أن إطلاقه على أنف الإنسان مجاز مرسل. وجزم ابن عطية أن حقيقة الخرطوم مخطم السبع، أى أنف مثل الأسد، فإطلاق الخرطوم على أنف الإنسان هنا استعارة كإطلاق المشفر وهو شفة البعير على شفة الإنسان، فى قول الفرزدق:

فلو كنت ضبيا عرفت قرابتي ولكن زنجى غليظ المشافر» (١)
وينتقد ابن عاشور هنا أصحاب اللغة لخلطهم فى ذكر معنى" الخرطوم" حتى لم تتبين الحقيقة أو المجاز من كلامهم، كما أنه يحمل على الزمخشرى أنه ذكر معانيه المجازية فقط، وما أورده من هذه المعانى كان مبهما، وقوله فى هذه المعانى ومنها معنى" الْخُرْطُومِ" فيه استخفاف وإهانة، ويدل فى نهاية الأمر أنه مجاز مرسل، وما جزم به ابن عطية أنه أنف مثل أنف الأسد، وعلى ذلك حين يطلق على أنف الإنسان هنا فهو استعارة كما يطلق المشفر" شفة البعير" على شفة الإنسان حين يسخر منه أو يذم، وذهب ابن عاشور فى تأييد ذلك بقول الفرزدق.
وذكر فى تفسير قوله تعالى:
قالَ فِرْعَوْنُ وَما رَبُّ الْعالَمِينَ* قالَ رَبُّ السَّماواتِ وَالْأَرْضِ وَما بَيْنَهُمَا إِنْ كُنْتُمْ مُوقِنِينَ (سورة الشعراء: الآية ٢٣، ٢٤).
(١) التحرير والتنوير، ج ٢٩، ص ٧٧.


الصفحة التالية
Icon