«وأشار صاحب الكشاف وصرح صاحب المفتاح بأن جواب موسى بما يبين حقيقة" رب العالمين" تضمن تنبيها على أن الاستدلال على إثبات الخالق الواحد يحصل بالنظر فى السماوات والأرض وما بينهما نظرا يؤدى إلى العلم بحقيقة الرب الواحد الممتاز عن حقائق المخلوقات.
ولهذا أتبع بيانه بقوله إِنْ كُنْتُمْ مُوقِنِينَ أى إن كنتم مستعدين للإيقان طالبين لمعرفة الحقائق غير مكابرين، وسمى العلم بذلك إيقانا لأن شأن اليقين بأن خالق السموات والأرض وما بينهما هو الإله لا يشاركه غيره»
(١).
وهو هنا يؤيد- على غير عادته- ما قال به كل من صاحب الكشاف وصاحب المفتاح فيما ذكراه عن جواب موسى عليه السلام حين سأله فرعون عن" رب العالمين" وما جاء من معنى قوله تعالى: إِنْ كُنْتُمْ مُوقِنِينَ.
وذكر فى قوله تعالى: مِنَ الَّذِينَ هادُوا يُحَرِّفُونَ الْكَلِمَ عَنْ مَواضِعِهِ وَيَقُولُونَ سَمِعْنا وَعَصَيْنا وَاسْمَعْ غَيْرَ مُسْمَعٍ وَراعِنا لَيًّا بِأَلْسِنَتِهِمْ وَطَعْناً فِي الدِّينِ وَلَوْ أَنَّهُمْ قالُوا سَمِعْنا وَأَطَعْنا وَاسْمَعْ وَانْظُرْنا لَكانَ خَيْراً لَهُمْ وَأَقْوَمَ وَلكِنْ لَعَنَهُمُ اللَّهُ بِكُفْرِهِمْ فَلا يُؤْمِنُونَ إِلَّا قَلِيلًا (سورة النساء: الآية ٤٦).
«قال الجاحظ فى كتاب البيان عند قول عوف بن عبد الله بن عتبة ابن مسعود يصف أرض نصيبك" كثيرة العقارب قليلة الأقارب" يضعون (قليلا) فى موضع (ليس)، كقولهم: فلان قليل الحياء. ليس مرادهم أن هناك حياء وإن قل:" قلت، ومنه قول العرب: قلّ رجل يقول ذلك، يريدون أنه غير موجود.

(١) التحرير والتنوير، ج ١٩، ص ١١٧، ١١٨.


الصفحة التالية
Icon