وقال صاحب الكشاف عند قوله تعالى: أَإِلهٌ مَعَ اللَّهِ قَلِيلًا ما تَذَكَّرُونَ (١)، والمعنى تفى التذكير والقلة مستعمل فى معنى النفى"، وإنما استعملت العرب القلة عوضا عن النفى لضرب من الاحتراز والاقتصاد، فكأن المتكلم يخشى أن يتلقى عموم نفيه بالإنكار فيتنازل عنه إلى إثبات قليل وهو يريد النفى» (٢).
وعلى الرغم مما يستعين به ابن عاشور من أقوال البلاغيين فيما لا يعارضهم فيه فليس هو ناقل فحسب، وإنما هو يستخلص رأيا يضيف شيئا، وقد لجأ هنا إلى قول
الجاحظ فى وضع العرب" قليلا" مكان" ليس" ويأتى هو بمثل آخر" قلّ رجل يقول ذلك" ويتناوله بالشرح، ثم يذكر قول صاحب الكشاف ويتناوله بالتعليق والتوضيح مبينا علة هذا الاستعمال، بينما وقف الجاحظ والزمخشرى عند ذكر السبب.
ومما تهكم به الزمخشرى فى الكشاف من تأويلات الروافض ينقل عنه ابن عاشور فى تفسير قوله تعالى: وَأَوْحى رَبُّكَ إِلَى النَّحْلِ أَنِ اتَّخِذِي مِنَ الْجِبالِ بُيُوتاً وَمِنَ الشَّجَرِ وَمِمَّا يَعْرِشُونَ* ثُمَّ كُلِي مِنْ كُلِّ الثَّمَراتِ فَاسْلُكِي سُبُلَ رَبِّكِ ذُلُلًا يَخْرُجُ مِنْ بُطُونِها شَرابٌ مُخْتَلِفٌ أَلْوانُهُ فِيهِ شِفاءٌ لِلنَّاسِ إِنَّ فِي ذلِكَ لَآيَةً لِقَوْمٍ يَتَفَكَّرُونَ (سورة النحل: ٦٨ - ٦٩).
«ومن لطيف النوادر ما فى الكشاف، أن من تأويلات الروافض أن المراد بالنحل فى الآية على وآله وعن بعضهم أنه قال عند المهدى: إنما النحل

(١) سورة النمل: الآية ٦٢.
(٢) التحرير والتنوير، ج ٥، ص ٧٧.


الصفحة التالية
Icon