«والظاهر أن قوله" إِلَّا ما قَدْ سَلَفَ، قصد منه بيان صحة ما سلف من ذلك فى عهد الجاهلية، وتعذر تداركه الآن، لموت الزوجين، من حيث إنه يترتب عليه ثبوت أنساب، وحقوق مهور ومواريث، وأيضا بيان تصحيح أنساب الذين ولدوا من ذلك النكاح، وأن المسلمين انتدبوا للإقلاع عن ذلك اختيارا منهم، وقد تأول سائر المفسرين قوله تعالى إِلَّا ما قَدْ سَلَفَ بوجوه ترجع إلى التجوز فى معنى الاستثناء أو فى معنى" ما نكح" حملهم عليها أن نكاح زوج الأب لم يقرره الإسلام بعد نزول الآية، لأنه قال إِنَّهُ كانَ فاحِشَةً وَمَقْتاً وَساءَ سَبِيلًا أى ومثل هذا لا يقرر لأنه فاسد بالذات» (١).
وهو فضلا عما ذكره المفسرون من تأويل فى معنى الاستثناء أو حملهم فيما لم يقرره الإسلام فى عدم صحة نكاح زوجة الأب بعد وفاته يبدى ما ظهر له من قوله تعالى إِلَّا ما قَدْ سَلَفَ فالحكم كان واقعا على ما ترتب من تقاليد فى عصر الجاهلية، ومن ثم يتعذر تداركه للأسباب التى ذكرها.
وذكر فى قوله تعالى: أُولئِكَ الَّذِينَ هَدَى اللَّهُ فَبِهُداهُمُ اقْتَدِهْ (سورة الأنعام: الآية ٩٠).
«والمذاهب فى هذه المسألة أربعة: المذهب الأول مذهب مالك: إن شرائع من قبلنا تكون أحكاما لنا، لأن الله أبلغها إلينا. والحجة على ذلك ما ثبت فى الصحاح من أمر رسول الله- صلى الله عليه وسلم- فى قضية الربيع بنت النضر حين كسرت ثنية جارية عمدا أن تكسر ثنتيها فراجعته أمها وقالت

(١) التحرير والتنوير، ج ٤، ص ٢٩١.


الصفحة التالية
Icon