وهذا العلم يرتبط بمفاهيم عملية وأخلاقية «فالعلم حرف لا يعربه إلا العمل، والحرف لا يعبر به إلا الإخلاص، والإخلاص حرف لا يعربه إلا الصبر، والصبر لا يعربه إلا التسليم» (١).
وتلعب التجربة الذاتية عند المتصوف دورها المهم، وتنكشف له معانى القرآن- كما يقول أصحاب هذا المذهب- تبعا لعمق كل مرحلة من مراحل التجربة وما تتميز به كل مرحلة من جلد وصدق واستغناء، ويقول الحلاج:
" الحقيقة دقيقة، طرقها مضيقة، فيها نيران شهيقة، ودونها مفازة عميقة، الغريب سلكها يخبر عن قطع مقامات الأربعين، مثل مقام الذوب والرهب، والسلب والطلب، والعجب، والعطب، والطرب والشره، والترة، والصفاء، والصدق، والرفق والعتق، والصريح والتمنى، والعد والكد، والرد والامتداد والاعتداد والانفراد والانقياد والمراد، والشهود والحضور، والرياضة والحياطة.....
فهذه مقامات أهل الصفاء والصفوية، ولكل مقام علو مفهوم وغير مفهوم" (٢).
وكما تختلف هذه المقامات وتتدرج مستوياتها تختلف أيضا الحقيقة من صوفى إلى صوفى، ومن مقام إلى آخر، فيعيد تأويلها حسبما تتجلى له فى كل مقام" فلكل صوفى عالم روحى قائم بذاته، والطرق الصوفية المؤدية إلى الله هى بقدر عدد هذه العوالم الروحية، وإذا عرّف بعض علماء الصوفية بأنه- أى التصوف- إدراك الحقائق، فليس لهذا التعريف من معنى إلا أنه إدراك الحقائق
(٢) الحسين بن منصور الحلاج، كتاب الطواسين، ص ٨، تحقيق وتصحيح، بولس نويا الميسوعى، دار النديم القاهرة ١٩٨٩ م.